٭ كعادة السودانيين دائماً ما يتم تشويه تاريخهم، فربطوا عمداً سماحة الزبير باشا بتجارة الرقيق، فالرجل أرفع من أن تنسب إليه هذه التهمة لتشويه تاريخه العطر. فالرجل كان مهموماً بالإسلام ورعاً طاهراً ونقياً، وبعد ذلك كان قامة حربية وسيفاً من سيوف الله التي حاربت من أجل العقيدة والدين. ٭ قليل من المعلومات أعرفها عن الرجل، ولكنها رغم ذلك كافية لأن أتجرأ وأكتب عنه، فالرجل بحر عميق وقطرة واحدة من ذلك البحر كافية لتكون مجلداً عن تاريخه وجهاده. ٭ رجل عرف المستعمر خطورته ودهاءه السياسي والاقتصادي وكذلك الحرب، ففي الحرب كان يقدم من الإستراتيجيات ما أعجز أكبر الإمبراطوريات وأقواها. الأخ سليمان خالد محمد عبد المحمود جزاه الله خيراً بعث لي برسالة شاملة وصف فيها كيف قاد الزبير باشا حرب القرم، و كيف أبهر الأعداء قبل الأصدقاء فجزاه الله خيراً. ٭ تابعت تاريخ الرجل عن كثب، ولكنني لم اتبحر فيه كما ينبغي، وذلك لعدم وجود المراجع التي يمكن أن استند إليها، ولكن القليل الذي عرفته عن الرجل يجب أن يعرفه الناس حتى يضعوه في المقام الذي يستحق. معلومة قد لا يعرفها الكثيرون وهي أن الزبير باشا هو من فتح قبرص الشمالية والتي حتى يومنا هذا تسمى قبرص التركية، وأهلها يعرفون بالقبارصة الأتراك الذين يدينون حتى اليوم بدين الإسلام بفضل هذا القائد الإسلامي السوداني الزبير باشا. ٭ وكان غردون باشا مُصراً على اصطحابه للسودان، فهو يعلم أنه الرجل الوحيد الذي يمكن أن يساعده في حكم السودان. وغردون باشا الذي حكم الصين بالحديد والنار، اُنتُدب خصيصاًَ من الصين ليُخضع السودان للإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس. ٭ وجد غردون نفسه عاجزاً عن ذلك فأراد الاستعانة بالزبير باشا الذي رفض في إباءٍ وشممٍ، فهو يعلم شرور الفرنجة الذين حاربهم في القرم وفي قبرص وكيدهم للإسلام والمسلمين ورفض أن يعينهم على ذلك. بعد البحث والتدقيق في تاريخ الرجل العريق توصلت إلى معلومات غاية في الأهمية عن الرجل الأسطورة فهو الزبير باشا بن رحمة بن منصور الجموعي ولد بجزيرة واوسي قرب الجيلي في الثامن من يوليو 1831م، وتوفي في السادس من يناير 1913م. ٭ نسبه يرجع إلى قبيلة الجعليين من فرع النعمان الجميعاب. ٭ له من البنين تسعة وعشرون ابناً وثماني عشرة بنتاً. ٭ تعلم بخلوة أبو قرون فحفظ القرآن وتفقه على مذهب الإمام مالك، ثم التحق بكُتاب الخرطوم. ٭ عمل برتبة فريق بالجيش المصري بجانب التجارة والإدارة. ٭ ذهب إلى الجنوب مع ابن عمه عبد القادر عام «1856م» حيث عمل بالتجارة ببحر الغزال ومنطقة الزاندي، وخضعت له بحر الغزال عام «1865م» وكان يديرها من «بايو» التي عرفت فيما بعد ب «ديم الزبير». ٭ ضايقته حكومة الخرطوم فعقد اتفاقاً مع الرزيقات عام «1866م» لفتح طريق للتجارة عن طريق جنوب دارفور لكردفان، ووقع معهم معاهدة مقابل رسم مقرر يتقاضونه منه. ٭ في عام «1867م» أنعم عليه الخديوي بلقب بك، وذلك بعد أن بسط سيطرته على بحر الغزال، واستطاع في الفترة ما بين عامي «1869 1872م» أن يهزم كل الحملات الحكومية عليه، واحتل سلطنة «تكما» بعد أن قتل سلطانها المشهور ب «قرض» في منواشي، وضم إليه دار مساليت وتاما وقمر وسولا وتوغل في وداي. ٭ اختلف مع القائد المصري إسماعيل بشا أيوب وذهب يشكوه إلى الخديوي عام «1875م» ولكن الخديوي منعه من الرجوع ومنحه رتبة الباشوية. ٭ في عام «1877م» حارب في حرب القرم، وقد أبلى بلاءً حسناً، ولكن مقتل ابنه «سليمان» على يد «جيس» في عام «1879م» أدى إلى مزيد من التباعد بينه وبين النظام المصري. ٭ خاض معارك ضد البِلالي الذي بعثه جعفر باشا ليضعف نفوذه، مقترحاً تقسيم الاختصاصات بينهما. ٭ وقد تشكك الإنجليز في تعاونه مع المهدي فنفوه إلى جبل طارق في الفترة ما بين «1885 1887م» وقد توسط حاكم السودان وقتها ونجت باشا وسمح له بالرجوع إلى السودان عام «1903م» وعاد إلى مصر من عام «1909 2191م». ٭ هذه قطرة من بحر تاريخ الرجل الأسطورة والقائد الذي قاد الجيوش ليس في السودان فحسب، بل حارب الطغيان في كل مكان وضم إلى الإمبراطورية الإسلامية في تركيا مناطق عديدة منها قبرص التركية. ٭ ألا رحم الله الزبير باشا رحمة واسعة، ونسأله تعالى أن ينزل عليه من الرحمة بقدر ما قدم للإسلام والمسلمين.