في سياق الاهتمام بالقضايا الفكرية التي نرى وجود ضرورة لإثارتها والتطرق لها في إطار الحوار الوطني السوداني الجاري في الوقت الحالي، رأيت أنه ربما قد يكون من المفيد في مثل هذه المناسبة والفرصة السانحة أن نشير إلى ما ورد في محاضرة مهمة أدلى بها المفكر الإسلامي العراقي د. طه جابر العلواني الذي شارك في تأسيس المعهد العالمي للفكر الاسلامي بالولايات الأمريكيةالمتحدة عام 1981م. فتحت عنوان «تشخيص للأزمة الفكرية المعاصرة ومقترحات لعلاجها أدلى د. العلواني بالمحاضرة المشار إليها على منتسبي الحلقة التدريبية من أعضاء راطة الشباب العربي بالولايات المتحدة، وهي الحلقة التي نظمتها الرابطة مع المعهد في مقره بامريكا عام 1988م. وفي تقديم لهذه المحاضرة لدى اصدارها في كتاب عام 1989م، ذكر المعهد العالمي للفكر الإسلام أنه انطلاقاً من شعور رابطة الشباب العربي المسلم بوجود مشكلة متميزة تواجه قطاعاً مهماً من أعضائها الذين يدرسون العلوم الاجتماعية في الجامعات الغربية، رأت اللجنة الثقافية للرابطة أن تدخل ضمن إطار برنامجها دورات خاصة تتناول العلوم الاجتماعية من المنظور الإسلامي. وأشارت المقدمة إلى أن الأطروحات الغربية في مجالات العلوم الاجتماعية قد شابها كثير من عوامل النقص والتناقض، وقد أحدث نقل هذه العلوم الاجتماعية والإنسانية إلى العالم الاسلامي من الاضطراب والقلق وضباب الرؤية زيادة على ما أحدثه في الغرب. وإذا كان تقدم الغرب قد يؤدي إلى تغطية بعض عيوب وقصور هذه العلوم في المجال الاجتماعي والإنساني، فإن تخلف العالم الإسلامي جعل عيوب هذه العلوم وقصورها في تكوين العقلية الإنسانية أكثر وضوحاً، وأشد خطراً وتهديداً. وأضافت المقدمة أنه بناءً على هذا المنطلق اقترحت اللجنة الثقافية للرابطة على المعهد العالمي للفكر الاسلامي تنظيم حلقة دراسية بعنوان: «نحو نظرة إسلامية للعلوم الاجتماعية». وذلك لقناعة الرابطة بالدور الريادي الذي يقوم به المعهد في جعل هذه القضايا أحد محاوره الاساسية التي يعمل على اصلاحها ضمن برنامجه الساعي لمعالجة الأزمة الفكرية والثقافية والحضارية للأمة. وفي معرض تناوله للأدوار التي مر بها التعامل مع الفكر والثقافة والمعرفة الغربية في العالم الإسلامي منذ احتكاكه بها، ذكر د. العلواني في محاضرته أنها مرت بمراحل ثلاث، الأولى هي مرحلة الصدمة والانهيار، والثانية هي المرحلة التي بدأت فيها النفوس تستقر إلى حد ما وتجتاز فترة الانبهار، والثالثة هي المرحلة التي نعيشها، وهي المرحلة التي سُميت بمرحلة الصحوة الإسلامية أو مرحلة الوعي بالذات واكتشافها. وهي المرحلة التي بدأ فيها التأكيد على مزايا الإسلام وخصائصه وتفوقه فكراً وثقافةً وعقيدةً ونظاماً ومنهاج حياة وقيماً وأخلاقاً ومعايير. ويضيف د. العلواني قائلاً: اكتشفنا في مرحلة الصحوة والوعي بالذات اننا كنا مخدوعين، ونعيش حالة غزو واستلاب ثقافي وفكري وفقدان توازن، إضافة إلى الاستلاب السياسي والاقتصادي، وبدأ الكثيرون منا يدركون أن الأطر الفكرية الغربية والنظريات الغربية والمناهج والثقافة الغربية بكل مدارسها لم تعد صالحة لبناء نهضتنا وإقامة الكيان العمراني المشترك لأمتنا. وطرح في هذه المرحلة التي بدأ يشيع فيها مصطلح الصحوة الإسلامية كثير من القضايا المعقدة، ووضع المفكرون المسلمون أمام الاختبار العسير والتحدي الخطير.. فإما أن يثبتوا صحة وسلامة شعاراتهم ونداءاتهم بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأن الإسلام قادر على استئناف حياة إسلامية وبناء حضارة وإقامة تقدم وإيجاد دولة وتقديم بدائل، وإما أن ينسحبوا من الميدان ويتركوه لغيرهم مرة أخرى، لتبدأ الأمة مرحلة جديدة من التيه.