تشكل مسألة حماية الحدود واحدة من أساسيات المحافظة على السيادة الوطنية، وتعكس في الوقت ذاته هيبة الدولة أمام مواطنيها وجيرانها، وهذا ما لم ألحظه خلال زيارة ميدانية للحدود الشرقية بولاية القضارف، حيث باتت الأمور عندي «سايبة» وتحتاج للكثير من المراجعات والقرارات الحاسمة والجادة، وقبل الخوض في هذه المسألة أنوه لغبن شديد لأهالي تلك المناطق خاصة المزارعين منهم، والذين يرون أن أراضيهم مغتصبة، وأن الأجنبي يُحظى بالحماية من الدولتين، فالمشهد هناك تشوبه الكثير من الضبابية. ولعل واحدة من العلل التي تنتهجها الدولة هناك، أنها تتخذ قرارات وتبرم اتفاقيات اقتصادية ودبلوماسية وغيرها، وقد تكون في الصالح العام ولكنها بمعزل عن المواطن، الذي يرى مدناً وقرىً بكامل عتادها داخل الأراضي السودانية وتحرسها القوات الأخرى وبها خدمات علاجية وتعليمية وغيرها، فيذهب تفكيره إلى غير موضعه، ثم يرى مزارعاً أجنبياً يزرع ويحصد بالآليات الثقيلة، وهو عاجز عن حماية نفسه فكيف يفكر؟ من جانب آخر، سمحت السلطات السودانية بتأجير الأجانب للأراضي من المواطنين بعقودات عادية ولفترات طويلة، وبحسابات المزارعين فان قيمة إيجار الأرض أكبر من ناتجها المحصولي، فالمزارع هناك يتم تمويله وتوفر له الحماية ويحفز وينتج، أما مزارع السودان فإن السجون ستكون نهاية مطافه، هذه الإيجارات جلبت معها الكثير من الثقافات، والبعض منها تحولت لكنابي وبارات «استخدام شخصي وتجاري»، وبحسب إفادة أحد القيادات الشعبية هناك أن أكثر من «95%» من الأراضي الزراعية تحت تصرف الأجانب، وإن استمر الحال هكذا فإن الوضع سيغير ملامح المنطقة ويطمس هويتها ويحيلها لأراضي غير سودانية. هذا الغبن ولد احتقاناً، وبالتالي احتكاكات هنا وهناك وحرائق وقتلاً وسرقات انتقامية بسبب فئة محدودة من الجانبين، وما شهدت بعضه إنما مرده لتغييب المواطن عما يدور على أرضه، وبما يصدر من قرارات مقنعة، ولمست إجراءً تم بين السلطات الأمنية هنا وهناك لضبط عملية الانتقال بين البلدين بالمواتر، والمخزي في الأمر أن بعض أبناء السودان يذهبون هناك ل «الفارغة والمقدودة» ويدخلون للبلاد مع آخرين «الخمور والمخدرات». ملف الحدود مع الشقيقة إثيوبيا من الملفات المسكوت عنها دون مبرر. فالإثيوبيون شعب طيب وحبيب ويحب العمل، ولكن يجب أن يكون ذلك في الإطار المعقول والمنطقي، وعلى الخارجية أن تفصح حول هذا الملف حتى لا نتهم دولتنا بالتقصير ومنقصة السيادة فكل ما يتم هناك يمكن أن يكون مشروعاً ومقنعاً وفي إطار تعزيز العلاقات بين البلدين. * أفق قبل الأخير في منطقة الأسرة بمحلية القريشة الحدودية تجتمع القوات النظامية كلها في خمس قطاطي، اثنتان منها خاليتان والبقية موزعة على أفراد من الجمارك والجوازات والأمن العام. * أفق أخير