الخرطوم: هنادى عبد اللطيف هبة عبيد: «لو حرامي سرق فى السوق العربي شخصاً لطالته عقوبة السجن» هكذا علق احد الزملاء الصحافيين ساخراً من قانون الثراء الحرام الذي يسمح للمتهم بإعادة ما جمعه من مال دون وجه حق للدولة واخلاء سبيله فى الحال دون توقيع أية عقوبات اخرى عليه، ولم يكن التعليق بعيداً عن أذهان الصحافيين الذين سارعوا لحضور المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة العدلية التى كونتها وزارة العدل برئاسة مستشارين من الوزارة وممثل جهاز الأمن والمخابرات الوطني وممثل مكتب الوالي وممثل الشرطة بالولاية، للتحقيق مع منسوبي مكتب والي الخرطوم المتهمين باستغلال نفوذهم، حيث توقع بعضهم توقيع اقسى العقوبات على المتهمين، ولكن بنفس بارد جداً رد رئيس اللجنة العدلية المستشار ياسر احمد صالح على اسئلة الصحفايين وقال: «إن قانون الثراء الحرام يعرض على المتهم التحلل من الثراء الحرام او المشبوه» وهذا ما تم مع المتهمين. القرار: أعلنت لجنة التحقيق مع بعض منسوبي مكتب والي الخرطوم استراداها مبلغ «17.835.000» جنيه عبارة عن اراضٍ وعربات واموال نقدية نتجت عن استغلال اثنين من الموظفين لمواقعهم فى استخراج خطابات باسم الوالي لعمل تخفيضات في اراضٍ استثمارية وتخصيصها، حيث حققوا المكاسب لانفسهم ولسبعة مواطنين تم استغلال اسمائهم للتمويه وابعاد الشبهات عنهم. جدل العقوبة وأثارت عقوبة «التحلل» جدلاً واسعاً بين الصحافيين الذين استنكروا عدم وجود عقوبة اضافية، وقالوا ان المادة تسمح بالسرقة دون توقيع عقوبة بالرغم من حرص وزارة العدل على تطبيق القانون دون تهاون في اتخاذ الاجراءات اللازمة ضد كل من يثبت تورطه في المساس او التلاعب باموال الدولة، وتعتبر القضية الأسرع فى اعلان نتائج التحقيق فى زمن وجيز وقد بدأت منذ «22» من مارس بعد طلب من الوالى حول معلومات تشير الى ثراء موظفين مشتبه فيهما دون وجود اختلاسات او خلل فى العهدة طرفهما. وتم تشكيل اللجنة فى 25 مارس لتبرز ان الوالى سعى بنفسه لكشف ملابسات هذه القضية التى حدثت بمكتبه ومن موظفين نالوا ثقته، الا ان الوالى لم يتوان في فضح وكشف ما قاموا به من اختلاسات، واللجنة تم تشكيلها من قبل وزارة العدل برئاسة مستشارين بوزارة العدل وعضوية ممثلين للشرطة وجهاز الأمن، اضافة الى ممثل للولاية وقد تم ذلك بطلب منه لوزير العدل، وبحسب حديث لرئيس اللجنة مولانا ياسر احمد صالح فى المؤتمر الصحفى فإنه تم التحقيق مع الوالى واستجوابه مرتين لاستجلاء ما حدث، كون ان هؤلاء الموظفين يعملون بمكتبه. المستشار ياسر احمد صالح اوضح فى المؤتمر كل تفاصيل القضية وشرح كل العمليات التى تمت بها عملية استغلال موظفين من مكتب الوالى استغلوا مواقعهم باستخراج خطابات باسم السيد الوالى لعمل تخفيضات فى اراضٍ استثمارية وتخصيصها، حيث حققوا المكاسب لأنفسهم وسبعة مواطنين تم استغلال اسمائهم للتمويه وابعاد الشبهات عنهم، وعند سؤال الموظفين من باب من اين لك هذا؟ تمت معرفة ما يملكونه وتاريخ تملكهم لكل ممتلكاتهم، ووجد انه ليس كل ما بحوزتهم جاء عن طريق الحلال. من خلال التحرى أقمنا بينة ان هذين الشخصين استفادا من خلال وجودهما بمكتب الوالى من خلال استغلال نفوذهما، فالوالى ووزير التخطيط لديهما سلطة تخصيص وتم منحهما بعض الامتيازات في ما يتعلق بقطع الاراضى ولهم الحق فى تخفيض الرسوم، وهذه السلطة يمارسها الوالى، ويصدر خطاب من السيد الوالى ووزير التخطيط العمرانى ويحول الى تخصيص قطع معينة، وهذه القطع بموجب قرار التخصيص تخصص للشخص المعنى، وتبدأ بإجراءات تمليكها له. وتحاشياً وتلافياً لأية عملية احتيال تم تخصيص موظف مختص لهذا الفصل، لكنهما استغلا هذه الخطابات. وما حدث ان هذين الموظفين استغلا ثقة الوالى فيهما، وهم الجهة التى توصل خطابات للسيد الوالى ونسبا خطابات للسيد الوالى بتخصيص بعض القطع فى بعض الاحياء الفاخرة التي اسعارها عالية، وتم الحصول عليها بموجب تخفيض، وتتبعنا كل المال الذى تم استخدامه فى عمل ثانٍ، وتم شراء اراضٍ ومن خلال التخفيض وبيعها، وثمنها تم استخدامه فى العربات والاراضى، وبدأ المال ينمو. والعربات كانت البداية بعربية «فيستو» وتم بيعها وشراء عربة آكسنت. وتتبعنا المال عند كل واحد منهم. وهذه القضية تمت بذكاء شديد. وعقدت اللجنة «17» اجتماعاً واستجواب الشهود التسعة، وتم حجز أربع وعشرين قطعة تم الاشتباه فيها. وأكد مولانا ياسر ان الموظفين ردوا المال واخبرونا بالطريقة التى نفذوا بها هذه العملية، وبموجبها استطعنا أن نصل لهؤلاء المواطنين. ومن ثم استرداد جميع الاموال وبيان الكيفية التى تمت بها هذه العملية. وتمت معرفة رأس المال الذى بدأوا به. وتمت الاستعانة بمواطنين لديهم صلة على المستوى الشخصى وسجلوا بعض هذه الممتكلات باسمائهم، وأخذنا اقوالهم لنتأكد من أنه كل المال. وأوضحوا أنهم تعاونوا مع هذين الموظفين، وهذا كله تم منذ تاريخ التشكيل، وبعض الممتلكات مازال قطع اراضٍ، وتم استرداد تسع قطع اراضٍ. والمبالغ تحولت الى خمس عربات، ووصلت المبالغ النقدية إلى حوالى «2.450» جنيه، وهي خلاصة من هذين الموظفين والمتعاونين معهم، والقانون يوضح أن المادة «13» تقول: يجوز لكل شخص اثرى ثراءً حراماً او مشبوهاً او ساعد فى الحصول عليه أن يحلل نفسه هو وزوجه او اولاده القُصر فى أية مرحلة قبل فتح الدعوى الجنائية ضده، ويتم التحلل بطريقتين، اما برد المال المشبوه وبيان الكيفية التى تم بها الاثراء، أو ببيان الكيفية التى تم بها الاثراء للشخص الذى ساعد فى ذلك. وبذلك القرار الذي رفع كل الحاضرين حاجب الدهشة بشأنه، اسدل الستار على أكبر وأغرب عملية احتيال في العهد القريب وربما البعيد.