والسودان يسعى بخطى حثيثة نحو الاستقرار والتنمية تحت ظل المتغيرات المطّردة في العالم العربي والإسلامي وما يدور بساحته الداخلية من أحداث تتطلب قراءة متأنية لمآلاتها والرؤية الإستراتيجية لوضع الحلول لها.. تقييماً للوضع «الإنتباهة» جلست إلى البروفيسور د.حسين سليمان أبوصالح أحد لقيادات السياسية ووزير الخارجية الأسبق لتناول ماعلِق بالساحة السودانية من قضايا والاستهداف الخارجي الذي يتعرض له سعياً لتفتيته من خلال سياساته المختلفة والتي يرى بروف أبوصالح أن أمريكا على وجه الخصوص هي السبب في إشعال الحرب بجنوب كردفان والنيل الأزرق لتحقيق أهدافها وإستراتيجيتها نحو السودان والذي يجب عليه ألّا يأمنها.. كما تحدث حول الرؤية المستقبلية لوثيقة الدوحة مؤكداً أنها تسير بخطوات ثابتة نحو النجاح بفضل أسلوب د. السيسي، وتطرق خلال حديثه إلى الضائقة المعيشية التي يمر بها السودان وأسبابها وكيفية الخروج منها.. وتناول أيضاً أسباب غياب وابتعاد العقول القومية النيرة عن المشاركة في نهضة البلاد، وفي إطار تناوله لقضية سعي الأحزاب القومية للمشاركة في الحكومة وعدم وضوح موقفها منها تساءل عن ماهية هذه المشاركة منبهاً الى أن السودان بحاجة إلى همة وطنية عالية وأن برنامج المشاركة مؤقت يستطيع أي شخص القيام به.. كما تناول العديد من القضايا ذات البعد الإستراتيجي السياسي والمفصلية فماذا قال: تتحدث كثيراً عن الاستهداف الخارجي للسودان وارتباطه بمعطيات الواقع الآن.. كيف ذلك؟ لعل السودان يتعرض ومنذ زمن طويل الى استهداف كبير جداً من بعض الدول عملاً بعقيدة مصالحها في الارض وتبين هذا الامر وبوضوح في قضية الجنوب التي استمرت منذ ماقبل الاستقلال وحتى الآن، وبالنظر اليها خاصة بعد تقلّد د. جون قرنق لقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي كانت تستهدف التوجه العربي الاسلامي في السودان وبعد سقوط منقستو في العام 1991م والذي كان يسارياً ويحتضن قواعد الحركة الشعبية في اثيوبيا حدث التحول بأن اصبحت قاعدتها في كينيا بدلاً من اديس ابابا، كما حدث تحول آخر في منفستو الحركة فبعد ان كانت تستعين بالمعسكر الشرقي اصبحت تحت سيطرة القوة الغربية وعلى رأسها امريكا والتي برز دورها في السودان وبوضوح وقد كانت اول محاولة لها للدخول كوسيط في مشكلة الجنوب اتت في مبادرة هيرمان كوهين في العام 1990م والتي رُفضت من الحكومة السودانية وجون قرنق وكان من اهم اسباب الرفض انها كانت تعتمد على ان يتم الحل في ظل سودان موحد، اما رفض قرنق فقد كان بسبب ملاحظته ان حدود الجنوب هي بحر العرب والسوباط او حدود 56 وهو كان يعتقد انها ليست حدود الجنوب بل هي خط 18 اي ان الجنوب يشمل ج. النيل الازرق وج. كردفان وج. دارفور لهذا فشلت المبادرة. هل هذا يعني تحول الموقف الأمريكي وإستراتيجيته تجاه السودان؟ نعم؛ فهي لم تقف بعدها مع وحدة التراب السوداني وسعت الى تفتيته لحدوث عدة متغيرات منها اعلان تطبيق الشريعة الاسلامية في العام 1991م، ايضاً بدأ اللوبي المسيحي الصهيوني الاسود يعمل بكثافة في تفكيك السودان واصبحت امريكا تتجه للاتحاد معه وفي العام 93م عندما عُقدت ندوة واشنطن التي قُرر فيها حق تقرير المصير ليس للجنوب، فحسب بل لما يسمى بالمناطق المهمّشة في كل السودان والتي تزامن معها مؤتمر كمبالا بيوغندا والذي يدعو الى تفكيك السودان الى دويلات وبرعاية كوهين وكان تحت اسم الافريقانية السابعة مما يؤكد وجود اجندة اجنبية تعمل لتفكيك السودان، وعندما اتت الإيقاد بنفس الحال وأهم ما يوجد فيها D O P )» والذي كان سبباً في فشل المفاوضات لسنوات عديدة لانه يتحدث بوضوح عن نشرالعلمانية في السودان او ان يتفكك عن طريق حق تقرير المصير لشعوبه والذي رفضته الحكومة السودانية الى ان جاءت مفاوضات نيفاشا والتي تختلف عن الايقاد بدخول قوى غربية على رأسها امريكا كوسيط فيها وحدث اعطاء حق تقرير المصير ونتيجة له وقفت الحرب نسبياً والتي استمرت لفترة طويلة ولكن نتيجة الاقتراع كانت مذهلة ولم يتوقعها احد. ترتب على الانفصال العديد من القضايا التي مازالت عالقة بين الشمال ودولة الجنوب الوليدة.. كيف تقرأ هذه القضايا؟ هذه القضايا تكمن خطورتها وتتضح من خلال ان خط بعض الجنوبيين نحو القضايا يسير بصورة اثنية تحت ظل التوجه العربي الإسلامي، ولهذا نجد الآن اختلاطاً اثنياً بكثير من القضايا خاصة وان هناك نسبة عالية من المسلمين في الجنوب ولكنهم مهمشون لانهم لم يُدربوا ويُوجهوا لتكون لهم قوة حقيقية لها صوت، ولهذا نجد ان من اخطر المشكلات بعد الانفصال قضية الحدود لأن القبائل في خط السافنا لا تعترف بالحدود منذ آلاف السنين وتعيش على جانبي بحر العرب والسوباط اضافة للملايين من المواشي والتي تعيش بالتبادل بين المنطقتين فكيف اذاً يتم حل هذه المشكلة؟ والقضية ليست في ابيي بل في هذه القبائل وهل ستُعتبر منطقة حرة وغير تابعة للشمال او الجنوب؟ لهذا لن يتم الاعتراف بهذه الحدود من قِبل القبائل الرعوية من الجانبين وهي قضية كبرى بحاجة لبحث، وما يدور الآن من حديث بالحل السياسي مجرد نظريات؛ فالانجليز سابقاً لم يتدخلوا في شؤون هذه القبائل بل كانوا يقيمون مؤتمراً سنوياً في سفاهة وكل ما تتفق عليه القبائل من الجنوب والشمال يصدر في شكل قوانين. «مقاطعة» هل هذا يعني ان يكون الحل في عدم تدخل الحكومة لحل قضية ابيي سياسياً؟ نعم وبتدخلها ستكون النتيجة نزاعات وحروبًا. ماذا عن بقية القضايا كالبترول والموارد الاخرى؟ ما بُذل من مجهود ضخم في استخراج وتصفية ونقل البترول والذي ان كانت له قراءات لمآلات ما بعد الاستفتاء ووُضع خيار الانفصال وارداً لما بُذل هذا المجهود في منطقة من المرجح انفصالها لأنه كان في حكم المستحيل حدوث ذلك وهذا يعني ان عدم وضع احتمال انفصال الجنوب هو ما جعل العمل بآبار البترول والذي اصبح يعتمد عليه السودان بنسبة 70% من ميزانيته يذهب بانفصال الجنوب من غير اي ضمانات لاستقرار الشمال؛ وكأنما ليس للانفصال اي تبعات غير قضية الرعاة فقط، وخروج البترول هو السبب في الضائقة المعيشية الآن بغض النظر عن الازمة الاقتصادية العالمية، والسودان غير مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد العالمي. بعض المراقبين يعتقدون ان خروج البترول من سيطرة الشمال جاء نتيجة لسوء الإدارة السياسية؟ لا اعتقد ذلك ولكني اقيم الوضع بتجرد وفقدان البترول يعني ان يكون هنالك شح في النقد الاجنبي وتضخم وارتفاع في الأسعار. ماذا عن المناطق الثلاث التي وُضعت باتفاقية نيفاشا؟ هي قنابل موقوتة، واتساءل: لماذا وضعت بنيفاشا؟ ففي جنوب كردفان والنيل الازرق ورغم ان الاتفاقية قالت بوضوح انه بوجود القوات المدمجة فإن الجيش الشعبي يتجه جنوباً الا انه وقبل تكوين هذه القوات فإن الجيش الشعبي كان قد انتشر بجنوب كردفان والنيل الازرق باعتبار انها اجزاء اصيلة من الشمال ومن واجباته ان يكون موجوداً في اي بقعة فيه، والحركة الشعبية كانت قد احتجت وقالت ان هذا خرق للاتفاقية واتت باعداد اضافية من قواتها وكُوِّنت القوات المدمجة واصبحت بدلاً من ثلاثة آلاف جندي عشرين الف جندي وعندها أصر المجتمع الدولي على تنفيذ الاتفاقية كاملة.. اذاً اين كان المجتمع الدولي عندما كان من المفترض ان تسحب الحركة الشعبية قواتها منذ العام 2008م وتركتها حتى تمردت واشعلت الحرب في النيل الازرق وج كردفان دون ان تكون هناك اي ادانة لها بل يأتي دين سميث ويقول انه سيبحث عن الآثار السياسية لهذه الاحداث.. ومن الذي تسبب في وجود هذه القوات طيلة هذه الفترة؟ كل هذا يؤكد ان هدف الولاياتالمتحدةالامريكية بعد ان سعت لانفصال الجنوب اصبح هدفها الإستراتيجي الثاني هو مساعدة الجنوب من خلال التصريح بمنع اي توتر في ابيي وج. كردفان والنيل الازرق لتحقيق اهدافها. لماذا سعت لهذا وهل يمكن تشبيهها كمن يشعل النار ويسعى لإطفائها؟ ابداً بل امريكا هي التي اشعلت نيران الحرب في هذه المناطق، فقضية ابيي ليس من المفترض ان يُوضع لها بروتوكول لأن هناك مجلس ريفي المسيرية الذين استضافوا دينكا نقوك بارضهم من اعالي النيل وعندما تأتي حكومة السودان وتتنازل عما لا ينبغي وان تُقسم ابيي لنصفين في حين ان الجنوب لم يتنازل عن شبر من ارضه بل يطالب بأجزاء من الشمال ويعتبر ان النيل الأزرق وج كردفان تتبع له، والحركة الشعبية تصرف على الجيش الشعبي بهذه المناطق حتى آخر لحظة بالتدريب والسلاح وتأتي امريكا لتقول انها تسعى لمنع التوتر في هذه المناطق بل هي تزيدها اشعالاً من خلال قولها انها تسعى لتحقيق السلام على الارض وان تكون هناك ارض مفتوحة للعمل الإنساني وتحقيق العدالة، هذا حديث امريكا التي لا تعترف بالمحكمة الجنائية وتخاف منها لأنها ستدينها بآلاف القضايا التي ارتكبتها في حق الإنسانية.