ما من شك أن الإنقاذ لم تجد سندًا ودعمًا طيلة عهدها مثل الذي تلقته من النظام السوري، فطيلة تعرض طائرة الإنقاذ لمطبات كادت تسقطها كان مطار دمشق هو المهبط الآمن لها، فعلاقة دمشقبالخرطوم القائمة على التكاتف العربي والمساندة لمواقف الدول المستضعفة في وجه قوى الطغيان والاستكبار كان هو العنوان العريض لتلك العلاقة التي لم تتأثر قط بتقاطعات علاقات الخرطوم مع بيروت أو دول الخليج العربي، إذ ظلت مساحة الود محفوظة بين كل تلك المكونات المتباينة في الرؤى والمواقف، ونجحت الحكومة أن تمسك بخيوط تلك العلائق في منطقة الخليج والشام دون أن تنسحب عليها مساندتها ودعمها للنظام السوري الذي قويت علاقته به عقب تولي بشار الأسد مقاليد الحكم في بلاده خلفًا لوالده حافظ الأسد. لكن متغيرات الأوضاع في المنطقة مع هبوب رياح الربيع العربي قلبت الصورة رأسًا على عقب في المنطقة من المحيط إلى الخليج خاصة في المنطقة العربية الإفريقية برحيل أنظمة الطغيان والاستبداد في كلٍّ من تونس ومصر وليبيا على التوالي وانتقال تلك الموجة العاتية الداعية إلى التغيير وقلع النظام إلى سوريا البلد الصديق لحكومة الإنقاذ ما يستدعي معه تحديد الأخيرة إلى موقف واضح وصريح من ما يجري في سوريا خاصة وأن نظام بشار الأسد تعامل بعنف زائد مع معارضيه وباتت الأوضاع في سوريا لا تشجع على مساندة بشار الأسد الذي يعد من أميز الرؤساء الذين أداروا ملفات بلادهم بحكمة وذلك ما قبل الثورة السورية إذ نجح الرجل في ترميم وتحسين صورة بلاده أمام العالم الخارجي وباتت سوريا تحظى باحترام كبير في المجتمع الدولي وحجزت مقعدها وبكل اقتدار ولكن بالمقابل كان ذلك على حساب صورة النظام أمام شعبه، ففي الوقت الذي كرس فيه بشار جهده خارجيًا كان بعض أركان نظامه يشوهون صورته داخليًا ووضح ذلك جليًا من خلال انفجار الأوضاع في سوريا حتى وصلت مرحلة الأزمة والقطيعة بين النظام والشعب وتدهورت الأوضاع من سيئ إلى أسوأ في سوريا وبدأت الدائرة تضيق على سوريا. ضيق الحلقة على النظام السوري ينسحب على أصدقائه وعلى رأسهم السودان الذي حاول في بداية المشكل السوري أن يجد حلاً ومخرجًا لنظام بشار الأسد من خلال تقديمه لروشتة قانونية كان من الممكن جدًا أن تخرج سوريا من النفق المظلم الذي دخلت فيه والذي يسر بعض دول المنطقة ومن خلفهم إسرائيل.. قدم السودان رزمة من الملفات المتعلقة برفع قانون الطوارئ وفتح الفضاء السوري للحريات وفك أسر النشاط الحزبي ونفض حزب البعث يده عن الدستور، وقد عمل بشار ببعض تلك المقترحات ولكن تطورت الأوضاع بأسرع مما كان متوقعًا وفلت الأمر من يد محبي الخير لسوريا. ظلت الخرطوم في الفترة الأخيرة ملتزمة الصمت حسبما هو بائن وإن لم يكن سكوتها ينبئ بعلامة رضا عن مايجري في سوريا خاصة وأن حكومة البشير ظلت داعمة ومساندة لكل الثورات العربية في المنطقة ومباركة لخطواتها، ويكفي كشف الرئيس عمر البشير عن دعم حكومته اللامحدود وفي شتى المجالات بما فيها الدعم العسكري لثوار ليبيا ومباركته للثورة المصرية التي توجت بزيارة تاريخية كأول رئيس في المنطقة يحل ضيفًا على مصر بعد زوال نظام مبارك.. وبالقطع كل ذلك ليس بخاف على ثوار سوريا الذين يمنون أنفسهم بدعم صريح من الخرطوم لتجربتهم. لكن من المرجح أن الحكومة تدرك تمامًا أن سوريا ليست مثل مصر أو تونس أو ليبيا فالنظام في سوريا ورغم ما قام به من انتهاكات ضد شعبه إلا أنه لا يزال يتمتع بسند قوي من بعض دول المنطقة وبعض القوى الكبرى لجهة أن تغيير النظام السوري ليس بالأمر السهل وإن حدث ذلك فسيكون له تأثيراته في المنطقة برمتها، فمعادلة خلع الرئيس بشار الأسد تدخل فيها إيران وحزب الله اللبناني وهما أكبر قوتين في المنطقة، كما أن دول الخليج وعلى رأسها قطر والسعودية تبحثان عن حلول للأزمة السورية ليس من بينها اجتثاث جذور النظام السوري وهو الأمر الذى يبدو مثل محاولة بلع عظم كبير، وبالتالي الخرطوم تنظر للأوضاع في سوريا بهكذا منظار. لكن التحرك الشعبي الأخير في الخرطوم والذي أعلن دعمه للشعب السوري والانحياز لثواره أرسل رسالة صريحة للحكومة مفادها ضرورة تحديد موقفها من مايجري في سوريا خاصة وأن التجمع الشعبي المناصر للثورة السورية ضم تيارات مختلفة أيدلوجيًا ومختلفة في مواقفها من الحكومة نفسها، وقد ضم قيادات من حزب الأمة القومي ومنبر السلام العادل وأسماء مرموقة في الوسط الأكاديمي والإعلامي وحتى الفني، ومهما يكن من أمر فإن الخرطوم في امتحان حقيقي بشأن سوريا لكن المؤكد أنها ستنجح وستفاجئ الجميع بما لم يكن في الحسبان.