العاطفة والهاشمية أحياناً تقتل الناس وتجعلهم يتحدثون حديثاً غريباً. قامت الدنيا ولم تقعد حتى باكر... حول ما حققته ابنتنا هند أحمد محمد من نجاح باهر في امتحان الأساس، حيث ربطوا هذا النجاح بوظيفة والدها الذي يعمل بعربة «كارو». اندهاشي ما الجديد في الأمر؟... العمل بالكارو أو بغيره شرف كبير ومهنة شريفة.. وعلى فكرة هي دليل عافية على إمكانات الأسرة مادياً ومعنوياً. أبناء البسيطين هم الأوفر حظاً... على الأقل هم الذين يجدون آباءهم على الدوام معهم.. لأن الأسرة البسيطة هي التي خرَّجت كل الأطباء والصيادلة وأساتذة الجامعات.. وليس غريباً أن تحقق ابنة العامل البسيط النجاح بينما تخفق بنات وأولاد الأثرياء أحياناً أو كثيراً... على الأقل هو الذي يوفر لها اللقمة الحلال من شقائه وعرق جبينه... عكس الذين يجدون كل سبل الحياة الرغدة ولا يحققون نجاحاً يذكر... لأن الوضع هنا «غير». ما كنت أود أن تكون الإشادة بنجاح هذه الطالبة هكذا.. بقدر ما كنت أتمنى أن يكون نجاحها هي لإمكاناتها واجتهادها وتمتعها بذكاء جعلها تحقق هذه النتيجة المشرفة دون الإشارة لوالدها أو مهنته... لأن هذا ليس جديداً ولا غريباً.. فكل الذين ينجحون هم من أبناء الكادحين. كثيرون الذين حققوا نجاحات باهرة وآباؤهم فقراء معدمون «الحبة» ناهيك عن هذا الرجل الذي له مهنة يمتهنها ويعول بها أبناءه حتى تدرس واحدة بجامعة الخرطوم في المختبرات والثانية تتفوق بهذه النتيجة المشرفة على نديداتها في مرحلة الأساس. يكفي هذه الأسرة أن عائلها عامل بسيط، وعلى الأقل أنه أفضل في دخله من العاملين بالدولة.. عمال يأخذون نهاية كل شهر مبالغ يسخر منها الحبيب والعدو.. وربما تكون محل سخرية من صاحب هذا «الكارو» نفسه منهم... ولضعف دخلهم الشهري وتمسكهم بالوظيفة الهشة!! كلنا أبناء مزارعين.. وعندما نقول كلنا نعني الأغلبية المسحوقة من هذا الشعب في زمن لم يكن فيه الوالدان متعلمين أو لديهما شهادات أكاديمية لكن كانت كل إرشاداتهما بالفطرة.. وكان النجاح حليف كل أبنائهما إلا من أبى. حديثي هذا ليس خصماً على نجاح هذه النابغة.. ولكن إيقافاً لمفاهيم لا نريدها أن تكون محبطة للآخرين وتكون سائدة بين الناس باعتبارها فريدة.. وكأن الذين كانوا ينجحون هم من الأثرياء فقط. ماذا يفيد هذه الطالبة أن تتصدَّر كل الصحف... في أنها ابنة العامل البسيط الذي لديه «كارو»؟... لم أفهم هل هذا فخر أم تقليل لشأنها؟.. وإذا كان فخراً فكم من أصحاب «الكارو» خرّجوا أبناءً الآن دكاترة وصيادلة ومسؤولون كثر بالدولة يعملون تنفيذيين بحكم تخصصاتهم.. طبعاً بالتأكيد لا أعني مسؤولي السياسة فهؤلاء شأنهم باتع «أكيد في بعضهم برضو». نعود لموضوع الطالبة هند التي يمكن تكريمها على ضوء وأساس ما حققته من نتيجة مشرفة.. وليس على أساس أنها ابنة عامل بسيط صاحب «كارو»... أو كما طالب لها الأستاذ أحمد طه ب «الإنتباهة» في عموده «على الرصيف» بأن يمنحوا والدها متجراً لبيع الخضار على أن يُدفع له إيجار عام كامل. مع تقديري للأستاذ أحمد طه.. إلا أنني أرجوه أن يترك الرجل يحقق أهدافه بنفسه، فالله الغني وهو الرازق... دع الراجل يعمل بعرق جبينه ويحقق أمانيه كما حققها في فلذات كبده بنجاح وتفوق بناته... ربما يشعر الرجل الآن بمتعةٍ ما بعدها متعة... لكن لو منحته الدولة أي دعم ربما يصبح خاملاً... دع ماله يكون حلالاً طاهراً نظيفاً معافىً من كل حق لم يكن له بل لغيره. إن كان لا بد من مثل هذا التكريم فاجعلوه مباشرة للطالبة نتيجة تفوقها.. أو هكذا تفعل الدول ويفعل السودان في شركات اتصالاته التي ملأت الدنيا وما برحت كسباً يميناً وشمالاً. من الذي يدري إن كان والدها يملك متجراً من الدولة إن كانت هند ستحقق هذا النجاح والنتيجة المشرفة أم لا؟! بالله عليكم أيها الإخوة الكرام دعوا الأسر تفعل حاجاتها بنفسها وتحقق غاياتها دون تدخل من أية جهة... اتركوا والدها فآلاف الآباء أمثال أحمد محمد والد هند يعملون بذات المهنة وأقل منها وهم يحققون نجاحات باهرة ولكن في صمت «عجيب»!! دعوا بالله عليكم هذه الأسرة تعيش حلاوة ونصرة طفلتها في هدوء وسعادة وغبطة وهناء.. دون تدخل لاستجلاب العطف الذي لا تحتاجه هذه الأسرة الكريمة. أسرة استطاعت أن تصل بأبنائها إلى هذه المرحلة لهي جديرة باحترام الكل دون تدخل قد يكون خصماً على حلاوة هذا النصر والنجاح. هذه الأسرة تمثل أسرة سودانية من زمن السودان الذي كان ينجح فيه أبناء «الكادحين» الشرفاء الذين يبذلون العرق لأجل لقمة العيش الحلال. تهانينا ابنتنا هند أحمد محمد.. وهنيئاً لك ولأسرتك بهذا النجاح الباهر العظيم.