لم تزل الأثار السودانية تعاني من مسلسل السطو والتهريب الذي طال أمده، فقد ظلت وسائل الإعلام تتناول بين الفينة والأخرى جرائم تهريب أو سطو طالت المواقع الأثرية المختلفة بالبلاد، ومع ذلك تتكرر الأحداث بصور دراماتيكية وربما ذلك دفع المجلس الوطني خلال الأسبوع الماضي لمناقشة قضية سرقة وتهريب الآثار وضرورة وضع عقوبات رادعة للجناة. «نجوع» فتحت القضية مجدداً وعرضت السرقات التي تمت مؤخراً فخرجت بالتالي: المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف الدكتور عبد الرحمن علي، قال في حديثه إن البرلمان تساءل في الفترة الماضية عن كثرة سرقات الآثار وتهريبها، وبالفعل خلال هذا العام حدثت ثلاث سرقات: الأولى هي كسر سقف الحمام الملكي بالمدينة الملكية المروية في البجراوية، حيث تمت سرقة قطعتين زخرفيتين من الحجر الرملي كانتا تستخدمان كأنابيب لنقل المياه التي تغزي الحمام. أما السرقة الثانية فهي قطع شجرة الصندل في متحف السودان القومي وهذه عمرها أكثر من أربعين عاماً تمت زراعتها أثناء إنشاء المتحف. والأخيرة هي سرقة خمس قطع أثرية من متحف البركل. ٭ بلاغات وضبطيات بالطبع لم تكن هذه السرقات وحدها فقد سبقتها سرقات وتجاوزات عديدة وتعرضت مواقع أثرية للهدم، وهذا ما أفصح عنه الدكتور عبد الرحمن مضيفاً، أن هنالك بلاغات تهريب وضبطيات قامت بها شرطة مكافحة التهريب وشرطة السياحة والتراث القومي وفرع السياحة بالأمن الاقتصادي. حيث إن بعض هذه البلاغات كانت في قطع مزيفة والبعض الآخر قطع أصلية، وتم تحرير بلاغات ضد المخالفين. ٭الآثار مهددة وتظل الآثار على الرغم من بعض التحوطات الأمنية مهددة بالسرقات المتكررة والمتواصلة، بل تكاد تصعب السيطرة عليها وربما كان لذلك أسبابه، إذ يقول الدكتور: بصفة عامة الآثار مهددة بالسرقات والتعديات لانتشارها الواسع في كافة أنحاء السودان وفي المناطق النائية إضافة لاعمال التعدين العشوائي عن الذهب، حيث يقوم بعض ضعاف النفوس باستخدام أجهزة الكشف عن الذهب للبحث عن الآثار، وذلك أدى إلى بعثرة العديد من المواقع الأثرية.أيضاً يقوم المعدنون الباحثون عن الذهب بالبحث عن الذهب في مواقع التعدين القديمة في شمال وشرق السودان مما أدى إلى دمار معظم هذه المواقع القديمة. هنالك مهددات للآثار منها ضعف الإمكانات للتحرك لتفتيش المواقع وضعف التأمين، حيث تقوم بحراسة المواقع الأثرية الصلوحية بواسطة شرطة السياحة ومواقع أخرى بواسطة شرطة السياحة، أيضاً هنالك العديد من المواقع لا توجد بها حراسة.أيضاً عدم التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة التي لها علاقة باستخدامات الأراضي تؤدي إلى دمار وضياع الآثار خاصة عند التخطيط لمشروعات التنمية المختلفة. ٭ قوانين ضعيفة وإن كانت هنالك قوانين للآثار وعقوبات إلا أنها تكاد تكون ضعيفة وغير رادعة، وربما كان ذلك دافع لعمليات السطو والتهريب، وهذا ما أكده محدثي مواصلاً: إن ضعف القوانين والتشريعات لا تواكب التطورات التي طرأت في عالم جريمة الآثار، لذا شرع مجلس إدارة الآثار لتشكيل لجنة لدراسة وتقييم وتعديل القانون حتى يواكب هذه التطورات على أن تكون العقوبة رادعة، وأيضاً أن يشمل القانون ضرورة الحصول على شهادة خلو طرف من الآثار عند قيام المشروعات التنموية المختلفة. حيث شكل مجلس الإدارة لجنة لوضع مقترحات تعديل قانون حماية الآثار، وتم وضع عدداً من البنود التي سيشملها التعديل، وتم رفعها لمجلس الإدارة الذي أوصى أن ترفع هذه التوصيات لجامعة الخرطوم كلية القانون، وأيضاً لجنة وزارة التشريع بوزارة العدل حتى يتثنى لنا مناقشة هذا الأمر في ورشة ومن ثم رفعها للمجلس الوطني، ورأينا أن من أقوى القوانين في الدول المجاورة هي القانون المصري والسوري والأردني. ونتساءل هل سيكون هنالك جديد يخدم الآثار وحمايتها في تعديل القانون، أم سيكون مثله مثل سابقه، وما هو الجديد فيه؟ يقول دكتور عبد الرحمن علي، إن ما جاء في القانون الجديد وضع عقوبة رادعة تصل لدرجة مصادرة جهاز الكشف، وضرورة الحصول على خلو طرف عند تنفيذ أي مشروع تنموي. و عليه أن يتوافق قانون الآثار مع الاتفاقيات الدولية ومعاهدات اليونسكو، كل ذلك لا يتأتى إلا بتوفير معينات العمل اللازمة لحماية تراث الوطن الذي إذا ما تمت حمايته وتفعيله بصورة اقتصادية مثلى فسيساهم في التنمية الاقتصادية للوطن والتنمية المستدامة للسكان، كما أن الحكاية لا تتأتى إلا من خلال توعية المواطنين باهمية التراث وربطهم به، وأيضاً اشراك الطلاب وتنشيط جمعيات الآثار وربطهم بالمواقع الآثرية. ٭ إعادة النظر في القوانين بروفيسور خضر آدم عيسى أوضح أن سرقة الآثار فعل يجافي الوطنية، وقال إن المشكلة لا تكمن في ضعف القوانين، إنما في تفعيلها كما أنه لا توجد حماية للآثار بالصورة المطلوبة، ويجب أن تشدد الحراسة على كل المواقع الأثرية، وأن القوات النظامية تحتاج لأن تُظهر اهتمام أكبر حتى تقوم بواجباتها، وأضاف بروف خضر أن انتشار المنقبين عن الذهب الذين يقومون بالتنقيب عن الآثار وتهريبها أو بيعها أضاع الكثير من الآثار. وذهب إلى ضرورة إعادة النظر في القوانين والتشريعات وفي اللوائح المنظمة وسبل الحماية وأهم من ذلك كله توعية المواطنين باهمية قيمة الآثار حتى يتم الحفاظ عليها، فهي ثروة قومية لن تتكرر، وهي ملك لكل الشعب السوداني ويجب الاعتناء بها وضرورة التبيلغ الفوري في حال أي تجاوزات.