ندرك جيدًا قيمة الآثار التي لا تخطئها العين، فالسودان يتمتع بثروة هائلة من الآثار التي يتم اكتشافها يوماً بعد يوم، لكن للأسف آثارنا تتعرض لعمليات سطو وتهريب واسعة منذ فترات بعيدة وحتى اليوم، حيث توجد مافيا دولية تعمل في تهريب الآثار السودانية. فالآثار السودانية تعرضت للكثير من المشكلات عبر التاريخ، وهناك كميات من التماثيل والقطع النادرة تم ضبطها وكانت في طريقها للتهريب إلى خارج البلاد؛ آخر عملية تهريب نشرتها الصحف تلك التي أحبطتها سلطات مطار الخرطوم والمتمثلة في (صحن المرمر) الأثري الذي ضبط مع إحدى الأجنبيات. (نجوع) تطرقت للقضية وتناولت جوانبها المختلفة ووقفت مع أهل الشأن للبت فيها: ٭ تاريخ وعقوبات.. لم تكن العقوبات التي طالت الجناة في جرائم سرقة الآثار مقنعة، حيث صدر الحكم على سارق تمثال جنائزي في العام «2002م» بالسجن «شهرين».. وفي العام «2003» صدر الحكم على سارق تمثال ترهاقا ب «6» أشهر مع وقف التنفيذ.. وفي العام «2004م» تم إدانة المتهم الأول في جريمة سرقة تمثال أسداماك بالغرامة «250» جنيهاً بالجديد والسجن «6» أشهر مع وقف التنفيذ.. وفي نفس العام صدر الحكم على سارق تمثال «سنكما نسكن» بالغرامة «300» جنيه.. كما تعرّض المتحف لحادث سرقة وصدر الحكم على الجناة الثلاثة بالسجن «سنتين» لكل... ومن الحوادث أيضاً التي سجلت سرقة قطع أثرية في ولاية نهر النيل والولاية الشمالية بمنطقة «صاي» عبارة عن «7» قطع أثرية من مجموعات مختلفة بمثابة ناقوس خطر على ثرواتنا القومية والتاريخية وحسب مصادر تورطت في هذه الجريمة رعايا من دول عربية اتخذت وادي حلفا مقراً لها ونفذت جريمتها ولكن يقظة أجهزتها الأمنية حالت دون تهريب المجموعات الأثرية النادرة إلى الخارج.. ٭ تنقيب وسرقة.. ولوضع القضية أمام أهل الاختصاص استنطقت (نجوع) المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف دكتور عبد الرحمن علي والذي أفاد بأنه قد نشطت مؤخراً عملية سرقات وتهريب الآثار إلى الخارج، وأرجع الأمر إلى عمليات التنقيب عن الذهب الواسعة الانتشار، كما أن معرفة المواطنين بأهمية الآثار أتاحت فرصة التهريب. وذكر بأن هنالك محاولات لتهريب الآثار عبر المطار وعبر الحدود، حيث كانت هناك سرقة مشهورة وهي تمثال للحاكم (هيكا أم ساسن) والذي تم تهريبه إلى بريطانيا وعندما عُرض على المتحف البريطاني اخطرنا زملاؤنا بالمتحف هناك ومن ثم تم التنسيق مع السفارة السودانية بلندن، وعن طريق الانتربول تم إعادة الأثر إلى السودان، والآن هو معروض في متحف السودان القومي. ٭ أشهر السرقات.. وقد عدّد الدكتور السرقات المشهورة التي تمت في فترات متفاوتة، موضحاً أن أول سرقة مشهورة كانت في ثمانينيات القرن الماضي من منطقة الحمام الملكي بالبجراوية حيث تمت سرقة تمثال عازف القيثارة، وللأسف لم يتم العثور على ذلك التمثال. وكذلك في بداية التسعينيات تمت سرقة تمثال (الكبش) الذي يمثل الاله آمون من منطقة البقعة ولكن بحمد الله تم العثور عليه بواسطة القوات المسلحة في منطقة عطبرة وتمت إعادته للمتحف. وسرقة أخرى في بداية الألفين وهي عبارة عن تمثال للملك (اسبلتا) سُرق من مخزن الآثار بكرمة وتمت إعادته بواسطة السلطات الأمنية متمثلة في الأمن الاقتصادي. وكشف د. عبد الرحمن عن آخر محاولة تهريب وهي عبارة عن صحن مرمر الأثري والذي يرجع لفترات الكوشية فترة نبتة في القرن الثامن قبل الميلاد، إلا أن السلطات الأمنية بمطار الخرطوم قد أحبطت عملية التهريب التي أقدمت عليها أجنبية. ٭ القيمة المادية للآثار.. أكد عبد الرحمن علي أن هنالك عصابات متخصصة تعمل داخل وخارج البلاد تقوم ببيع وشراء الآثار المهربة بأسعار تتراوح بين عشرة آلاف دولار إلى مئات الألوف غير أن هذه الآثار لا تقدر بثمن. وأوضح أن هنالك سرقات وقعت من داخل المتاحف أشهرها السرقة التي تمت في التسعينيات وهي تمثال من الذهب ولم يتم العثور عليه. إضافة إلى سرقة وقعت في العام «2004م» وهي عبارة عن «40» قطعة أثرية، وتمكّنت السلطات الأمنية من إعادتها للمتحف مرة أخرى. بجانب سرقات وقعت في متحف البركل حيث سُرقت أعداد من التماثيل الجنائزية وأُعيدت بعضها والبعض الآخر ما زال مفقودًا. وأرجع الدكتور هذه السرقات التي تتم من داخل المتاحف لضعف التأمين وقتها. لدينا آثار بالخارج تعرض في متاحف بريطانية، كيف وصلت إلى هناك، وما هي؟ للإجابة على هذا السؤال يقول دكتور عبد الرحمن: هناك آثار تمت سرقتها أثناء فترات الاستعمار أشهرها كنوز الملكة أماني شخيتو الموجودة في (ميونخ) بألمانيا وهي معروضة باسم السودان. إضافة إلى أن هناك آثاراً خرجت بصورة قانونية حسب قانون المستعمر الذي كان يسمح بتصدير الآثار للبعثات العاملة في التنقيب عن الآثار وفي كل أنحاء السودان، حيث كان القانون يسمح بمناصفة الآثار المكتشفة بين البعثة ومصلحة الآثار حتى تُعرض هذه الآثار في متاحفها، ومعظم هذه الآثار معروضة باسم السودان، وتساهم في تعريف الحضارات السودانية في الخارج ومن ثم تستقطب السواح للسودان وتساهم في تقوية الدبلوماسية الشعبية بين السودان والأمم الأخرى. وأيضاً هي متاحة للبحث العلمي في الحضارات السودانية. وذهب الدكتور عبد الرحمن إلى أن قانون الآثار اليوم يسمح بإعطاء البعثات العلمية آثارًا لفترات تتراوح ما بين سنتين إلى خمس سنوات لعرضها في متاحف مؤقتة بالخارج ومن ثم إعادتها. ٭ ضعف القانون هنالك من أرجع تكرار السرقات إلى ضعف القانون بعقوباته غير الرادعة، وعن ذلك أوضح عبد الرحمن علي أن العقوبات بالفعل ضعيفة وغير رادعة لذا هناك دراسة لإجراء بعض التعديلات في قانون الآثار حتى يكون مواكباً، ومن أهم البنود التي يمكن إدخالها في القانون هي مصادرة وسيلة التهريب. وأضاف بأن كل متاحف السودان مؤمنة بواسطة قوات شرطة السياحة والتراث القومي وهناك مشروع لإدخال التقنيات الحديثة مثل أجهزة الاستشعار والكاميرات والإنذار والبوابات الإلكترونية لحماية هذه المتاحف.