يممت وجهي شطر المجلس الوطني وفي بالي العديد من الأسئلة التي تحتاج لتوضيح، ولكن ضيفتنا عضو لجنة العدل والتشريع الأستاذة عواطف الجعلي رفدتنا بأسئلة أخرى لم تكن في الحسبان، ومن بين إفادتها القانونية وأسئلتها التي أرسلتها، وحديث آخر طي الكتمان التزاماً بعهد قطعته «الإنتباهة» على نفسها تنقل الحوار عبر عدة أوجه لعملة واحدة: فضيحة موظفي مكتب والي الخرطوم المليارية، و«التجنيب» هذا المصطلح الراتب في تقارير المراجع العام السنوية في البرلمان، ودور البرلمان في مواجهة هذه الآفة الهلامية التي تتبدى صنائعها في الأفق وتستعصي على القانون أن يمسك بها.. هل أنا بحاجة لأقول إنها الفساد!. إذن هذه هي التفاصيل بمعيتكم... فيما يتعلق بالتجنيب هل نستطيع القول إنه نوع من الفساد المالي والإداري؟ في تقديري أي فساد مالي يسبقه فساد إداري، وفيما يلي التجنيب أقول إنه ومنذ قدومي للبرلمان في «5002» ما في تقرير قدمه المراجع العام للبرلمان إلا وتحدث فيه عن التجنيب بإسهاب، وقانون الإجراءات المالية المحاسبية لعام 2007 الذي يعاقب على التجنيب بعقوبة قد تصل لعشرة أعوام، لكن إلى الآن ومنذ 2007م لم يفتح بلاغ في شخص جنب مالاً عاماً. ما هي الأسباب؟ ليست لدي أية إجابة، فالإجابة عند المراجع العام، وفي تقديري أننا في قانون المراجع العام وقانون الإجراءات المالية والمحاسبية محتاجون لتعديل في بعض النصوص، فالجهات الشاكية في جرائم المال العام هي الجهة التي وقع فيها الاختلاس أو الفساد، يعني أن الجهة التي وقع فيها الاعتداء على المال العام هي التي تتحول لشاكي أمام النيابة. بمعنى؟ مثلاً المسؤول عن الوحدة أو الجهة المعنية التي وقع فيها الاعتداء على المال العام هل لديه مصلحة في أن يشتكي أمام النيابة. هل هذا يفيد أنه إذا لم يشتك المسؤول عن الجهة المعنية لا أحد يفعل؟ أيوه. ما المراجع العام يقدم المستندات التي بها إشكال لنيابة المال العام إذا حصل أي اعتداء على المال العام، ونيابة المال العام تفتح التحري وتبدأ عملها، ويصبح المراجع العام شاهداً والنيابة هي الجهة التي تحكم في أن هذه الوقائع المذكورة بالمستندات تذهب للمحكمة أم لا، بعد ذلك فإن الوحدة التي تم فيها الاختلاس هي المعنية بأن تمثل دور الشاكي أي هي التي تبلغ عن الفساد، فهل لهذه الوحدة مصلحة في أن تمثل الشاكي، خاصة إذا كان المختلس رئيس الوحدة؟ ولماذا ليس من مصلحتها أن تبلغ؟ لأن الفساد سيكشف حالها طبعاً، ويسيء لها كوحدة خاصة إذا كان رئيس الوحدة هو على رأس الفساد أو الاختلاس. هل للتجنيب علاقة بالفساد بشكل أو بآخر؟ للتجنيب علاقة بالفساد، لأن الاعتداء على المال العام كله فساد، والتجنيب جزء من الاعتداء على المال العام. «............» الناس تتناول التجنيب بطريقة غير صحيحة، والصحيح أن أي مال مبعد بموجب القانون لا نستطيع القول إنه مال مجنب، لأنه مال محصل بموجب القانون، إنما التجنيب هو مخالفة القوانين في المال، مثلاً في الميزانية يتم تحديد أوجه الصرف في بنود محددة، فيتم الصرف في غير تلك الأوجه المحددة أو يطلع مال خارج الموازنة أو تخرج مستندات للحصول على مال دون سند قانوني، نحن عارفين أنه بموجب المادة «20» من الدستور لا توجد رسوم إلا بنص قانوني، ولكن مثلاً في عدد من الإدارات كالضرائب والجمارك يتحصلون على رسوم دون قانون، مشكلة الجمارك أن لديهم عدداً من اللوائح والتشريعات الفرعية يصدرون بموجبها رسوماً، رغم أن الرسوم لا تفرض بموجب التشريعات الفرعية، الرسم يجب أن يفرض بموجب القانون، فهذه الإدارات تأتي بهذه النصوص وتسندها للتشريعات الفرعية ويتحصلون من خلالها على مبالغ مالية هذا يمكن تسميته بالتجنيب لأنه تحصيل دون قانون موجب له، أو بعض الإدارات تقوم تفرض رسوماً كرسوم الرادار التي فرضتها شرطة المرور في الطريق السريع، هذه الرسوم ليست بأورنيك «15»، وهذا تجنيب للمال لأنه لن يدخل خزينة الدولة، أيضا إدارة الجمارك تحمل الناس على دفع إيصال غرامة على الشيكات المرتدة مثلاً تكون قيمتها«50»جنيهاً على الشيك المرتد، وقالوا إن ال «50» هذه بموجب لائحة، وهذه اللائحة لم تودع البرلمان ولم يطلع عليها أحد، وبما أن الإيصال ليس بأورنيك «15» فالتحصيل يعتبر مالاً مجنباً، وهذه مشكلة لأن التشريعات الفرعية ممكن أن تستغل ليتحصل عبرها على مال كله مجنب، لأن التشريعات الفرعية لم تودع البرلمان، لذلك طالب البرلمان بأن تصله كل اللوائح والتشريعات الفرعية. وهل أودعت البرلمان؟ لم تودع البرلمان، ولكن أقول إن التشريعات الفرعية التي تفرض رسوماً تعتبر مالاً مجنباً، لأن الرسوم وفق الدستور يجب أن تفرض بموجب قانون، والقانون لا بد من إيداعه البرلمان ويوافق عليه، وأغلب هذه التشريعات الفرعية لا تصل البرلمان. ما هي الجهات الأخرى التي تفرض رسوماً بموجب تشريع فرعي لم يصل البرلمان غير تلك المؤسسات؟ أنا لا استحضر، ولكن في وحدة التخلص من الفائض بوزارة المالية كان لديهم رسمان دون سند قانوني. إذن اخبريني عن التجنيب بقانون؟ هذا لا يسمى تجنيباً فهو عمل مقنن، مثلاً قانون الهيئات لسنة 2003 سمح لمجلس الوزراء أن ينشئ هيئات، المؤسف أن هذه الهيئات صارت تستغل بحيث أن أي مسؤول يريد أن يتهرب من التزامات الوزارة المعنية يتجه لإنشاء هيئة، لأن الهيئة تصدر قرار تأسيسها من مجلس الوزارء كهيئة الكهرباء أو المواصفات والمقاييس أو الطرق والجسور، المهم هيئة وبموجب قانون الهيئة يسمح لها أن تفتح حساباً خاصا'ً وتودع فيه أموالها الخاصة وتتصرف فيه بطريقتها الخاصة، لذلك تجدين أغلب الوزارات الآن تلجأ لإنشاء هيئات أو شركات عامة لتمنح نفسها الحرية في الحركة بالمال، هو ليس تجنيباً لأنه يتم بموجب قانون، لكن في النهاية البرلمان يمكن له أن يرفض إنشاء الهيئة، بأن يرفض أن يكون لها حساب خاص تتصرف فيه بطريقة خاصة، دون الرجوع لوزارة المالية أو خارج القانون المجاز للموازنة العامة. هل سبق للبرلمان أن رفض إجازة قانون هيئة عرض أمامه؟ لم يحصل، والهيئة التي وقفنا فيها كثيراً هي الهيئة العامة للطرق والجسور، وفي النهاية عدلنا جزءاً من قانونها والباقي مضي كما هو. هل عدد الهيئات والشركات كبير؟ في عدد كبير من الهيئات والشركات العامة. وقانون الشركات عام 1925 يسمح لها بحساب خاص ومال خاص، وهي في النهاية مالها حكومي، هناك شركات أموالها مائة بالمائة مال حكومي، وأخري مال الحكومة فيها عشرون بالمائة على سبيل المثال، وبشأن خصخصة الشركات وبالرغم من أن رئيس الجمهورية أصدر عدداً من القرارات القاضية بخصخصة الشركات الحكومية، ولكن حتى الآن تنشأ شركات حكومية، من العام الماضي إلى العام الحالي «2014» تنشأ شركات حكومية. أليس في هذا تجاوز لقرارات الرئيس؟ ما أستطيع قوله إنه من المفترض تعديل قانون الشركات، بحيث يتم تحديد طبيعة الأعمال الإستراتيجية التي من المفترض أن تعمل فيه الدولة بموجب قانون الشركات، لكن ما ممكن الدولة تعمل منافساً في الأعمال البسيطة، ثم إن الشركات الحكومية تكون معفية من كثير من الرسوم والضرائب، فتصبح المنافسة بينها وشركات القطاع الخاص الأخرى غير عادلة، لذلك أقول إن الحل ليس في الخصخصة إنما في تعديل النصوص المتعلقة بالشركات الحكومية والشركات العامة في قانون الشركات، وفي قانون التصرف في مرافق القطاع العام، مفترض أن يتحرك فيه الناس للتعديل دون الدخول في تفاصيل لأن الحديث عنه كثير، ومع ذلك أنا لست من أنصار تعديل كل القوانين، لأننا لدينا أميز التشريعات، ولكن عدالتنا عرجاء في تطبيق هذه التشريعات. أين يكمن هذا العرج في وزارة العدل أم القضاء أم أين؟ ليس بالضرورة في وزارة العدل أو القضاء، قد يكون في الوزارات، لكن أقول إن الإشكال في تطبيقنا للقوانين، وليس في النصوص القانونينة، ومن الطبيعي أن نجد أن النصوص لم تعد تلائم الواقع، والتعديل لا يعني أن القانون معيب. كيف يعالج هذا الخلل في التطبيق؟ أعتقد أننا بحاجة لوقفة في التطبيق، وأعتقد أن البرلمان بحاجة لوقفة كبيرة في الرقابة على تطبيق القوانين، لأن مهمة البرلمان هي التشريع والرقابة. من أنواع الخلل في التطبيق؟ مثلاً المراجع العام في تقريره يعرض الكثير من مخالفة القوانين، خاصة في مجال التطبيق فيما يختص بقوانين المال العام، هناك عدد من القوانين لا يتم الالتزام بها، مثلاً قانون الإجراءات المالية والمحاسبية يحاسب على التجنيب لكن إلى الآن لم يقدم أي مسؤول لمخالفته لنص المادة التي تشير إلى أن هذا المسؤول مجنب، هل هذا تطبيق صحيح للقانون؟ ما افتكر. القوانين موجودة وتعديلها طبيعي ولكن السؤال هل نحن نطبق القانون بطريقة سليمة؟ إذا الوحدة المعنية تعلم أن القانون يمنعها من فرض رسوم، وتفرض رسوم دون قانون. هل هذا الحال دلالة على غياب الإرادة العدلية في تطبيق القانون أم غياب الإرادة السياسية في تطبيق القانون؟ أنا لا أقول غياب إرادة عدلية أو غيرها، لكن اعتقد أن هذا الأمر يحتاج لوقفة جادة وتضافر، قد يكون هناك جهل بالقانون، رغم أن هذا الجهل لا يعفي من المسؤولية، لكن في النهاية القضية عايزة جدية. بصفتك القانونية والنيابية إلى أية درجة تحكم وزارة المالية قبضتها أو ولايتها على المال العام؟ بموجب قانون وزارة المالية هذا حقها. أقصد إلى أية درجة هي قادرة على ذلك؟ المفترض أن تحكم المالية ولايتها على المال العام، لكن الحاصل أن المالية ما قادرة توقف الفساد. ما الذي يمنعها؟ في كثير من الأشياء التي تأتي للبرلمان، ووزارة المالية تتسامح فيها مثلاً في بعض الأحيان في أشياء تتطلب موافقة وزير المالية في الصرف، وكثيراً جداً ما يوافق عليه وزير المالية، وأعتقد أن وزارة المالية أحياناً تكون سبباً في حصول مثل هذه الأشياء.