في أحد الأفلام الأمريكية، كان بطل الفيلم مستهدفاً من مراكز القوى من المخابرات، حيث كان يعلم بعض مخطاطتهم لاغتيال الرئيس، فتمت مطاردته بشراسة، ولأنه كان عضواً في نفس الجهاز كان ملماً بأساليب المراقبة، وفي أثناء المطاردة لاحظ أن خطواته مكشوفة رغم عمليات التمويه الناجحة التي قام بها، فقام بحدف الهاتف الذي كان يحمله على الأرض ثم واصل الهرب، حيث كانت المخابرات تقوم بتصوير تحركاته بوضوح بواسطة الأقمار الاصطناعية التي تعتمد على الإشارات الصادرة من الهاتف، وكان هناك فني يقوم بتوجيه القمر حتى أنه أخطرهم بأن المتابعة قد تتطلب أخراج بعض الأقمار الأخرى من أدوارها لمواصلة المتابعة فوافقوا فوراً. المشهد يعكس قدراً محدوداً من التطور التكنولوجي في عمليات قرصنة التنصُّت على الهواتف السيارة بما فيها المتطورة جداً المعروفة بالذكية. لكن هل الدول العربية طوال خمسين عاماً أو أكثر بعيدة عن التنصُّت على الهواتف سواء أكانوا معارضين أو مخالفين للرأي أو متهمين بالتخابر مع دول معادية؟ بالطبع فإن دولاً عربية عديدة توسعت في هذا المجال سيما مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان كثير التوجس من وجود عناصر عسكرية أو سياسية مناوئة له، حتى أن اللواء صلاح نصر رئيس المخابرات آنذاك قال في مذكراته التي نشرها في كتاب، إن عبد الناصر قال لشمس بدران «أنا خائف صلاح نصر يكون بتنصت علي في البيت»، وقال إن عبد الناصر أمر بتركيب وحدة للتجسس على الهاتف في منزله حتى يقوم بالتنصُّت بنفسه على بعض قادة القوات المسلحة، وقال إن ناصر استمر فترة يستمع إلى المكالمات، وعندما أرهقه الأمر أوكل المهمة لشمس بدران، وعندما تولى الرئيس أنور السادات سدة الحكم بعد وفاة عبد الناصر قام بعملية دعائية سياسية ذكية، حيث جمع كل الشرائط التي سجلتها المخابرات المصرية للمعارضين والمخالفين لرأيه وتشمل قطاعات اجتماعية عديدة، حيث شملت الأسرار الخاصة للعديد من العائلات المصرية، وقام بحرقها في تظاهرة كبيرة قامت بتوثيقها أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة. تطور مستمر ويقول عميد معاش عبد الجليل ريفا عبر الهاتف ل «الإنتباهة» مستهلاً بفذلكة قصيرة عن التنصُّت في بعض الدول العالمية، إن التنصُّت وسيلة أمنية قديمة عرفت منذ عهد جينكز خان، حيث كان يرسل بعض الأفراد بإرخاء السمع لمعرفة ما يتحدث به بعض الأفراد، أي تنصت شفوي دون استخدام وسائل آلية، حيث لم تكن موجودة في ذلك الوقت، ويضيف أن وسائل التنصُّت تطورت في عهد النهضة، وتم ابتكار أجهزة حساسة للتنصت على الهاتف الثابت في ذلك الوقت، حيث تمكنت الدول من اختراق مكالمات العناصر المعادية، ثم تطورت أكثر فأصبحت لها دوائر متخصصة داخل المخابرات، ويعتبر جهاز المخابرات في الاتحاد السوفيتي السابق (K.G.P) هو الأكثر تطوراً وخبرة في هذا المجال آنذاك، وقال ريفا إنه بعد سقوط ألمانيا بواسطة الحلفاء اكتشفوا وسائل متطورة للتنصت كان يستخدمها الألمان، حيث كان لديهم ما يعرف بالمطرقة الكاتبة، حيث يقوم الفرد الذي يقوم بالتنصُّت بإرسال معلوماته بالكتابة عبر شاشة يستقبلها الفرد الأمني المكلف باستلامها مباشرة عبر دائرة محددة، بغرض تأمين عملية التنصُّت، كما أن المعلومات عندما ترسل تمسح آلياً، ويضيف ريفا أن عملية التنصُّت تطورت إلى مرحلة أخرى في حقبة ما قبل وجود الهواتف السيارة، حيث كانت أجهزة المخابرات تقوم بإرسال فرد للشخصية المستهدفة في منزله، وبواسطة جهاز صغير يفتح دائرة الاتصال، وعندما يرن الجرس لدى الدائرة المستقبلة يتم التنصُّت على أي حديث داخل الغرفة، أي بواسطة رنين التلفون، وتتم بعدها عملية التنصُّت التي يعقبها فتح الخط دون رفع السماعة، أما عن التطور التقني أخيراً في هذا المجال، يقول الخبير ريفا: الآن تطورت عمليات التنصُّت حتى دون استخدام الهاتف بواسطة الدوائر المغنطيسية اللاصقة، فتقوم الجهة الاستخبارية بزرع قرص معين في سيارة أو مبنى، لكنها الآن تطورت التقنية بحيث بات من الممكن لصق نوع معين شفاف من الطلاء المشع على سيارة ما دون أن يلحظه صاحبها، فيقوم فوراً بنقل كل حديث في السيارة بواسطة اشعاعات تنبعث من اللاصق. التنصُّت في السودان أمس الأول قال المدعي العام لحكومة السودان مولانا عمر أحمد بعدم قانونية قيام أية جهة بالتنصُّت أو التجسس أو تسجيل المحادثات عبر الهواتف النقالة بحسب ما أوردت صحيفة «آخر لحظة»، وقال إن الخطوة لا تتم إلا في حالة القضايا التي تمس الأمن القومي عبر مخاطبته من جهة رقابية أو عدلية، وفي الوقت ذاته طالب نواب برلمانيون بإصدار فتوى شرعية حول التنصُّت على المكالمات، وقالوا إن التنصُّت جريمة يجب أن تعالج بالقانون، مشيرين إلى أن بعض مؤسسات الدولة تقوم بالتنصُّت على بعض الهواتف، وقال المدعي العام في تصريحات محدودة بالبرلمان أمس إن التنصُّت وتسجيل المكالمات ممنوع تماماً ولا يوجد حق يعطي أية جهة القيام بذلك، واعتبر الأمر مخالفة للقانون، وأضاف قائلاً لا انتهاك لخصوصية إلا بأمر قضائي، مؤكداً عدم تلقي وزارة العدل أي طلب بهذا الخصوص. ومن جانبه طالب النائب البرلماني المقدوم صلاح الدين بإصدار فتوى شرعية بخصوص التنصُّت على الهواتف، فيما قال النائب عماد الدين بشرى إن هنالك مؤسسات دولة تنتهك خصوصيات الآخرين، وأضاف أن ذلك يعد جريمة يجب معالجتها بالقانون. لكن من الواضح أن من الصعب على المواطن اكتشاف خضوع هاتفه للتنصت، وبالتالي في أية دولة يصعب للفرد العادي أن يمتلك الدليل لمقاضاة أية جهة تتنصت على مكالماته الهاتفية، وحتى إذا تم تكوين لجان عدلية فهي لن تستطيع أن تحصل على أدلة، لأن المخابرات هي من تملك تلك الآليات وقادرة على إخفائها. العهد المايوي والتنصُّت على الهواتف وفي العهد المايوي يكشف العميد «م» أمن عبد الجليل ريفا ل «الإنتباهة» أن جهاز الأمن المايوي لم يكن يمتلك التقنية المتقدمة المعاصرة اليوم، كما أنه لم تكن هناك هواتف جوالة، وكانت التنصُّت يتم في نطاق الهواتف الثابتة وقال إن هناك ما يعرف بوجود عشر «تخت» في عمود التلفون وعبر مؤسسة السلكية واللاسلكية عبر قسم سري يتم إخطاره بأن الرقم (x) في التخت رقم «..» ولدينا عمل سري في هذا النطاق، ويقول ريفا إن التنصُّت كان يشمل شخصيات كبيرة في النظام عند الاشتباه بها، ويتم أخذ الإذن من النيابة في هذه الحالة، وكشف أنهم تمكنوا من ضبط أنشطة هدامة بواسطة التنصُّت قامت بها شخصيات معروفة، وتم تقديم المتهمين لمحاكمة سرية. قف هاتفك الجوال مراقب وبالرغم من تطور التقنيات في الهواتف الذكية التي توفر وسائل التأمين من الاختراق، إلا أن أجهزة المخابرات العالمية خاصة وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) قد تمكنت من الوصول إلى بيانات أكثر الهواتف السيارة تطوراً في العالم، وتقول المصادر أن شركة «بلاك بيري» العالمية للهاتف السيار قامت بالاستحواذ على شركة صغيرة استخدمت أسلوبها الجديد، وفى الوقت نفسه بدأت الهيئة الاستخباراتية للوكالة فى دراسة الكود الجديد الذى تستخدمه الشركة، وفى مارس 2010م تم حل المشكلة أخيراً، واستطاعت الهيئة الاستخباراتية العودة لمعالجة بيانات بلاك بيرى والحصول على المعلومات من خلالها، وتشير وثائق الوكالة إلى أن هذا الأمر لم يكن النصر الوحيد فى مواجهة «بلاك بيري»، رغم أن الشركة كانت تؤكد أن أجهزتها للاتصالات عصية على التجسس والاختراق، ويقول تقرير مترجم في إحدى الدوريات الصحفية إن مجلة «دير شبيجل» الألمانية استطاعت الاطلاع على العديد من الوثائق السرية والتقارير التي تم تسريبها من وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) ورصدت في هذا التحقيق كيف نجحت الوكالة في اختراق أجهزة الهواتف المحمولة الحديثة، وما هي المعلومات التى تحصل عليها من هذا الاختراق الواسع، وفى أحد المؤتمرات التى عقدت فى واشنطن أخيراً، حكى «مايكل هايدن» رئيس وكالة الأمن القومي الأمريكي السابق على الحضور قصة طريفة تتعلق بموبايل «آي فون»، حيث كان هو وزوجته فى أحد متاجر «أبل« بولاية فريجينيا، واقترب منهما أحد البائعين للترويج للجهاز، قائلاً إنه يوجد أكثر من «400» ألف تطبيق للعمل على الجهاز، واستمع «هايدن» ثم استدار قائلاً لزوجته بصوت خفيض: «هذا الشاب لا يعرف من أنا.. أليس كذلك؟ «400» ألف تطبيق تعني «400» ألف فرصة للهجوم والاختراق». وتمكنت وكالة الأمن القومي الأمريكي، وفقاً للوثائق السرية التي سربها «سنودن» من تطوير تقنيات وأدوات وآليات تمنحها القدرة على اختراق هذه الأجهزة بأنواعها المختلفة، بداية من «آي فون» والأجهزة، التى تعمل بنظام «أندرويد» وحتى أجهزة «بلاك بيري» التى بنت شهرتها على أمن الجهاز والاتصالات التى تمر عبر شبكتها بدرجة لا يمكن اختراقها. غضب تركي وبالطبع ليست الدول العربية وحدها التي تتجسس على السياسيين المعارضين أو في الحكومة، وقبل فترة تصاعدت في تركيا ردود الفعل المستنكرة لعمليات التنصُّت التي قام بها «التنظيم الموازي» ضمن الدولة، والتي طالت حوالي «7» آلاف شخص بينهم وزراء وسياسيون وصحافيون، ورجال أعمال وفنانون وموظفون حكوميون. سلاح الشفرة كان الفدائيون الفلسطينيون وأصحاب العمليات السرية المعادية لدول الغرب عادة ما يستخدمون شفرات محددة عند الحديث بالهاتف بغرض الحفاظ على سرية المهمة، وعندما زارت رئيسة وزراء إسرائيل قولدا مائير إيطاليا في إحدى السنوات قال ضابط في جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد» في كتاب «طريف الخداع» إنهم وصلوا إلى إيطاليا قبل وصول رئيس الوزراء الإسرائيلية لإجراء عملية التأمين لها، وقال: حجزنا في فندق يرتاده عادة الفلسطينيون، ولاحظت في الاستقبال أحد الفلسطينيين يتحدث بأسلوب فيه شيء من الشفرة، فقمنا بمتابعته، ولم يمض يوم حتى اكتشفنا خلية الاغتيال الفلسطينية داخل مزرعة، وقد وضعت صاروخاً مضاداً للطيران في سيارة آسكريم، حيث أن الطائرة تعبر في أجواء تلك المزرعة، ويقول إنهم قاموا باعتقالهم، وما يستفاد هنا من هذه القصة أن الفدائيين أخطأوا في اختيار فندق معروف بأن الفلسطينيين يرتادونه، وإلا ما كان جهاز الموساد يستطيع أن يصل إليهم، خاصة أن الوقت كان قليلاً ولا يتيح لعملية تأمين واسعة. حماية المال العام أخيراً ما ذا لو اُستخدمت تقنية التجسس على المشتبه فيهم بالثراء الحرام، خاصة في زمن بدا فيه إثبات عمليات «الهمبتة» المالية صعباً ومتعذراً، إلا أن هذا الأمر يحتاج أيضاً إلى إرادة قوية من النظام لمواجهة جحافل قوى الفساد، ومن يدري ربما تكشف المكالمات «همبتة» أراضٍ في المنشية والصافية ويثرب وكافوري وكل المناطق الراقية، كما قد تكشف المثير الخطر من تهريب أموال أو تحويلها بليل للخارج «ويا ناس الهمبتة الشفرة ذاتها ما بتحلكم بعد داك!! بس كيف تختوا التلفونات دي في المراقبة؟!».