ربما كان د. أبو سن من أكثر الأطباء الذين ذاقوا حلاوة النجاح والتفوق بالنظر إلى الطريق الشاق الذي شق به حياته منذ طفولته الباكرة، والتي لخصها في أحد الحوارات التلفزيونية عندما قال: (درست المرحلة الاولية باربع أو خمس مدارس لأن والدي كان يتنقل وعندما استيقظ من الصباح لا أعرف أين ذاهب بدأت بالطقيع ود محمود كترة عِبود والمناقل خمس مدارس أولية) (كنا متنقلين ما بين المكاتب والقناطر بالمنطقة لاتجد قرية ولا حلة بالمعنى انما بيوت حكومة ومحدودة جدا يعني جيرانك يمكن ان يكونوا شخصين اربعة خمسة ما اكثر من ذلك، طفولتي كانت طفولة عملية جدا بدأت حياتي مبكرا وارعي الغنم وانا ابن الستة أعوام فوالدي كانت لديه أبقار وأغنام لكي تدر له بدخل زيادة حتى يستطيع تعليمنا، فاذا غاب الشخص الذي يرعي الأغنام اقوم بسد مكانه في مناسبات الاعياد) من رحم هذه المعاناة خرج د. كمال أبو سن شاقاً طريقه نحو الدراسة الأكاديمية لم يكن طريقه مفروشاً بالورود ربما لهذا السبب كان د. كمال يثق في ذاته كثيراً ويعتد بها لكن في غير غرور باعتبار أن ما تحقق كان من براثن المتاعب وكبد الحياة ومعتركاتها الشاقة. بداية الانطلاقة في عام 1976 دخل د. كمال أبوسن كلية الطب جامعة الخرطوم وكانت الجامعة قد أغلقت نتيجة أحداث انقلاب المقدم حسن حسين ويقول د. كمال إنه أراد أن يكسب الوقت فالتحق بمعهد المواصلات السلكية واللاسلكية كموظف دون راتب لكنه كان يتقاضي فقط مبلغ ثلاثين جنيها ثم بعد مضي ستة أشهر عندما فتحت أبواب الجامعة أنتظم في دراسة الطب ويواصل سرده د. كمال عبر برنامج تلفزيوني ويقول (فاستمريت في الجامعة والمعهد وتعلمت الكثير من المعهد لأن الدراسة فيه كانت بالانجليزي وكانت هناك مادة الفيزياء والرياضيات وكنت انال تدريباً في دار الهاتف وكنت أحاول التوفيق ما بين العمل والدراسة واستمريت على هذا الحال حتي ثالثة طب وبعدها جاء باشكاتب المعهد إلى الجامعة وقال لناس الكلية بأني أدرس بالجامعة فخيرتني الجامعة بين الاستمرار بها أو في المعهد فأخترت فتم فصلي من المعهد وعندما ذهبت لهم للمطالبة بمعاشي وجدت طلعت لي فرصة تدريب في السويد ومبلغ 913 جنيهاً اشتريت بها التذكرة) ويسرد د. أبو سن بأسلوبه السردي القصصي الشيق في مقالة له بالانتباهة عندما وصل إلى السويد ويقول (حطت طائرة االهيلوكبترب فوق سطح مجمع العمليات تدلى من فتحة بسقف المبنى صندوق بداخله كلية محاطة بالثلج تم نزعها من شخص توفي دماغيًا في بلد آخر بدأ البروفيسور بفحص الكلية وتنظيفها وزرعها في بطن المريض وبدأ ضخ الدم في الكلية بعد إيصال الشريان والوريد توردت الكلية بلون الدم وأزهرت وبدأت في إخراج البول ذهب التيم العامل (في استراحة لأخذ القهوة لإعطاء فرصة للكلية للتأقلم على جسم المريض، قرَّرت البقاء فقد كانت أول عملية زراعة كلية أشهدها، استهوتني المهارات المطلوبة لإجراء العملية وكان قراري أن ألج مجال زراعة الأعضاء متخصصًا في زراعة الأعضاء.. أحسَّ البروفيسور برغبتي فأعطاني منحة للتخصُّص) ثم قرر د. أبو سن التخصص ولأنه لا يملك المال سافر إلى المملكة العربية السعودية للعمل هناك لتدبير المبلغ المطلوب، ثم استقر في لندن بعد التخصص وأجرى العديد من العمليات الجراحية في العديد من الدول العربية والإفريقية وعشرات العمليات الناجحة في السودان. رحلة العواصف قبل أكثر من عام كان يقوم د. أبو سن بإجراء عدد من عمليات زراعة الكلى لكن أوقفت آنذاك بحجة أن الاستعدادات لم تكن كافية لاتمام عملية الزراعة الآمنة والناجحة، لكن يبدو أن القرار لم يكن يرض د. أبو سن وكان كثيراً ما يعتقد أن نجاحه الذي صنعه من براثن المعاناة حتي وضعه في خانة الشهرة والعالمية كطبيب ناجح هو الذي قاد إليه الحسد والحرب الخفية والمستترة، لكن كانت عملية زراعة الكلي التي أجراها لمريضة تدعي الزينة بمستشفى الزيتونة هي التي فجرت العاصفة وكانت أسرة المريضة قبل وفاتها قد اعتصموا أمام المستشفى مطالبين انقاذ والدتهم التي ظلت أحشاؤها خارج بطنها لمدة خمسة وأربعين يوماً في حين كان د. أبو سن قد غادر البلاد وعندما توفيت المريضة اشتكى ذوي المريضة للمجلس الطبي والذي أصدر قراره فورياً بمنع د. أبوسن من اجراء العمليات داخل السودان لمدة عام وهو قرار غير معهود بهذه السرعة الإيجازية ربما لأن القضية أصبحت قضية رأي عام، واشار د. أبوسن إلى انه سيتوقف عن العمل و سيعود إلى لندن لممارسة عمله هناك، وكشف انه اجرى 40 عملية زراعة كلى بالزيتونة لم يتوف فيها مريض الا الحاجة الزينة بعد عام من اجراء العملية وفي المقابل قال المدير الطبي لمستشفى الزيتونة خالد حسن سعد لصحيفة السوداني آنذاك (أن د. أبوسن طبيب معروف على مستوي السودان والخارج وهذه ليست المرة الأولي التي يجري فيها مثل هذه العملية وأن المريضة رفض جسمها الكلية وهو أمر معتاد في مثل هذه الحالات فسافرت إلي مصر بغرض العلاج وحدثت لها مضاعفات) وعلي أثر ذلك فتحت كثير من الأقلام الصحفية والشبكة العنكبوتية نقدها إزاء ما حدث وذكرت المواقع أن محكمة بريطانية خلصت إلى أن أبو سن ارتكب عدداً كبيراً من الأخطاء المتهورة اثناء الجراحة، واعترف المستشفى البريطاني بتلك الأخطاء ودفع مبلغ (6.5) مليون جنيه استرليني تعويضاً للمتبرع، فيما تم تحويل الدكتور كمال أبوسن للمساءلة الطبية من قبل المجلس الطبي البريطاني غير أن الثابت أن د. أبو سن ما زال يمارس عمله كطبيب بصورة اعتيادية في لندن في بلد لا يتسامح مع مثل تلك الأخطاء. بيد أنه مؤخراً ربما تنفس الصعداء النطاسي الشهير د. كمال أبو سن عندما قامت نيابة الخرطوم قبل ثلاثة أيام بشطب البلاغ الذي فتحته أسرة المرحومة الزينة في مواجهته بتهمة الاهمال الذي أفضى إلى وفاة والدتهم، ولعل تداعيات هذه القضية كانت بمثابة عاصفة قوية قد تظل في مخيلة وذاكرة د. أبوسن ربما إلى الأبد، لكن وفق حثيات قرار المجلس الطبي في السودان واذا صحت أيضاً حدوث الخطأ الطبي في بريطانيا وفق ما ذكرت تلك المصادر هل أصبحت الثقة في النفس لدى د. أبو سن بعد كانت دافعاً للنجاح باتت عاملاً للاخفاق بسبب التسرع وعدم الدقة رغم النجاح الذي حققه؟ يبدو أن أنامل د. أبو السن الرحيمة غدت الآن تقف في وجه العاصفة ولا أحد يدري إلى أين ستقوده بعد رحلة التفوق والنجاح والشهرة التي طالما استمتع بها كثيراً طوال عقود خلت.