تحت عنوان: «هل تعرض المرحوم عبد الله خليل للتضليل» ذكرت في مقال كنت قد نشرته في صحيفة «الرائد» التي كانت ناطقة باسم حزب المؤتمر الوطني الحاكم، قبل أن يتم نهبها ووأدها كما يرى البعض.. أنه وبناء على ما ورد في إفادات تاريخية منشورة وموثوقة ومنسوبة لرئيس الوزراء ووزير الدفاع والأمين العام لحزب الأمة في خمسينيات القرن الميلادي العشرين الماضي، الزعيم الوطني الراحل المرحوم عبد الله خليل الذي كان قد تولى تسليم السلطة المدنية المنتخبة في تلك الفترة للقيادة العامة للقوات المسلحة آنذاك.. فإنه كان قد توصل في سياق ما جرى القيام به من جانبه إلى تفاهم مع القيادة العامة للقوات المسلحة بناء على ما جرى معها بشأن تسلّمها للسلطة على النحو المشار إليه.. وكان مقتضى ذلك التفاهم الذي لم يتم الالتزام به في المرحلة اللاحقة لتسلم القوات المسلحة لسدة مقاليد الحكم في العام 1958م هو أن تتم العودة بأسرع ما أمكن للحكم المدني مرة أخرى، وأن يتولى إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة في ذلك الحين الزعيم الوطني الراحل المرحوم عبد الرحمن المهدي منصب رئاسة الجمهورية وذلك على نحو كان ينبغي أن يتم الوصول إليه عبر الحصول على مساعدة وموافقة من جانب القيادة العامة للقوات المسلحة، لكنها لم تفعل ما كانت قد وعدت به أو ألمحت بالموافقة عليه في التفاهم المشار إليه بينها وبين الزعيم الوطني الراحل المرحوم عبد الله خليل على النحو الذي تم في تلك الفترة.. كما أن الزعيم الوطني المنافس للسيد عبد الرحمن المهدي في ذلك الحين المرحوم علي الميرغني المرشد الختمي وزعيم الحزب الوطني الاتحادي آنذاك لم يكن بالطبع طرفاً موافقاً على مثل ذلك التفاهم.. وبالتالي فإنه لم يتردد بالطبع في العمل ضده والسعي لإجهاض وعرقلة تنفيذه والحيلولة دون حدوثه على نحو فعلي.. وقد نجح الزعيم الوطني الراحل المرحوم السيد علي الميرغني في ذلك الذي سعى له.. بل وتمكن من السيطرة حتى على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان قد تولى السلطة بناء على ما تم من اتفاق مع الزعيم الوطني وسكرتير حزب الأمة في تلك الفترة المرحوم عبد الله خليل الذي يبدو أنه كان قد تعرض للتضليل.. إضافة إلى ما كان قد تعرض له من تخذيل حتى من جانب بعض الجهات المتنفذة التي كانت فاعلة في مناهضتها له داخل دائرة القيادة لحزب الأمة وأوساطه التي كانت داعمة لزعامة السيد الصديق عبد الرحمن المهدي للحزب وراغبة في خلافته لوالده الذي كان يعاني من كبر سنه آنذاك. وعلى كل وبالعودة إلى ما ظللنا نتطرق له منذ أن شرعنا فيه خلال الأيام المنصرمة بشأن طبيعة العلاقة بين السياسة والقوات المسلحة في أنموذجها السوداني الذي ظل يسري ويجري منذ فترات النضال ضد الاستعمار الأجنبي البريطاني.. وحتى الوقت الحالي، وذلك على النحو الذي يحدث الآن من جانب زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي الذي ظهر بروزه على المسرح السياسي الوطني العام أثناء ثورة أكتوبر التي أطاحت بذلك الحكم العسكري الأول في السودان عام 1964م، فقد كان الاختبار والامتحان الأول الذي تعرض له السيد الصادق المهدي في هذا المجال هو ما جرى من جانبه مع الحكم العسكري الثاني بقيادة الزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري. وكما هو معلوم فقد وصلت المواجهة بين حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي والحكم العسكري الثاني بقيادة الزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري إلى درجة بالغة الحدة عندما أقدم حزب الأمة على المشاركة الفاعلة في القيام بقيادة المحاولة المتمثلة في المقاومة المسلحة للسلطة الحاكمة، والوصول بذلك إلى داخل العاصمة المثلثة كما حدث في الغزو الفاشل للخرطوم 1976. ولكن بعد مرور سنة واحدة على تلك المحاولة الفاشلة حدثت المصالحة الوطنية بين الصادق المهدي والزعيم الوطني الراحل الرئيس نميري.. فماذا قال الأخير في قراءته لشخصية الصادق المهدي بناء على ما جرى في اللقاء السري للمصالحة الشهيرة الذي انعقد في مدينة بورتسودان وتم بينهما على انفراد عام 1977.