حكى لي أحد معارفي وهو من الإسلاميين المعروفين وليس من العلمانين، عن موظف في أحد المصارف عندما نظر في قرض كبير لأحد رجال الأعمال أو ربما «الهمباتة الجدد» ووجد أن الضمانات المقدمة من صاحب الطلب غير كافية، سارع بالذهاب إلى مدير البنك وأطلعه على الأمر، غير أن السيد المدير لم يرد بل أخذ ورقة صغيرة وكتب عليها عبارة«يكفيه رصيده من الإيمان»، وذهب بالطبع الموظف المخلص لمواصلة عمله حزيناً يكتم غضبه ومتحسراً على مال البنك الذي بدلاً أن يكون مهره مادياً بحسب لوائح المصارف وضوابطها، فإذا به يتحول إلى رصيد هلامي لا أحد يمكن أن يجزم بوجوده أو أي استحقاق منطقي أو قانوني أو حتى مشروعية دينية أو جدوى له في عالم المصارف و«البنكتوت»، فإيمان الرجل وإن كان صحيحاً فهو لن يرد مبالغ المصرف عندما يتعثر في السداد ولن يصيب البنك ببركته، وفي العام 2008 هدد بنك السودان بكشف أسماء جوكية المصارف، وفي تصريح لمحافظ بنك السودان كشف فيه أن هناك قائمة بعدد «30» من رجال الأعمال سوف يتم القبض عليهم لفشلهم في الالتزام بسداد مبالغ تصل ل «500» مليون دولار قاموا بأخذها من البنوك سواء عن طريق المرابحات أو المعاملات البنكية، غير أن التهديد لم ينفذ أو لعل المقصود من التهديد أن يسارع الجوكية برد المبالغ الضخمة التي اقترضوها، سيما وأن معوقات قانونية تقف وراء الخطوة كما يرى بعض القانونيين باعتبار أنه يمكن فقط أن يتم النشر في الصحف في حالة أن يكون العنوان مجهولاً وأن المتهمين أخفوا أنفسهم، وفي ذات المنحى كشف وزير العدل محمد بشارة دوسة قبل حوالي عامين عن اتجاهه لاستدعاء مديري البنوك والضرائب لاستفسارهم عن أي شخص أو جهة مدينة للبنك عبر شيكات أو ترفض إرجاع الأموال للبنوك. وقال دوسة أمام البرلمان وقتها إن وزارته ستعلن عن أسماء «الجوكية» للنشر القانوني باعتبارهم مجرمين تحصلوا على أموال عامة دون وجه حق، وأكد تفعيل هذه الإجراءات للحفاظ على المال العام، وقال الخبير الاقتصادي بروفيسور عصام عبد الوهاب آنذاك ل «الإنتباهة» أن الاتجاه قد يلعب دورًا في مكافحة الفساد في السودان باعتبار أنه العامل الأول والمؤثر في حيوية الاقتصاد، وقال إن الحديث عن الجوكية يمثل أكبر عملية فساد في تاريخ البلاد، والتي تقدر بأكثر من مليار دولار. لكن بعد الحديث عن هؤلاء الجوكية نفى وقتها رئيس اتحاد أصحاب العمل بأن يكون فيها أي عضو من كبار رجال الأعمال أو أي عضو في المكتب التنفيذي للاتحاد «يعني الجماعة عنقالة ساكت». والمعروف أن تعثر الديون المصرفية يؤثر على البنك ويكبل حركته التمويلية ويكون لها تأثير سلبي في حركة الاقتصاد الوطني. ولعل المفارقة هي أن الكثير من المستثمرين الصغار والمنتجين يبحثون عن التمويل في وقت يستأثر به الجوكية بالمليارات. وبالأمس كتب الأستاذ إسحق أحمد فضل الله الكاتب المعروف في عموده «آخر الليل» قائلاً: «وبنك محترم يفاجأ بموظف ينجح في تحصيل مبلغ ضخم «2 مليار» والبنك يرسل للموظف خطاباً رقيقاً.. ينقله نقلاً هو نوع من العقوبة.. البنك يطبق الأخلاق التي تدير السودان اليوم». والأستاذ الكبير لم يكشف لنا عن حقيقة المبالغ المستردة لكن قطعاً هي من بعض الجوكية، أما عن نقل الموظف فربما كان مدير البنك من أنصار نظرية «يكفيه رصيده من الإيمان»، والتحية للأستاذ إسحق ولا نامت أعين الجوكية.