لأن أجعل كثيرين يؤمنون أو يلحدون بنظريتي هذه والتي ليس من شأنها تحليل أو تحريم الفن والآثار الأدبية والترميز السياسي على نحو عام وصارم.. لا بد من أن يقرأ القارئ غير المتخصص شيئاً قليلاً قد يجعل له مفتاحا لفهم منافذ هذه النظرية وكيف يمكن أن نولج من خلالها إلى بعض الآداب التي تكون محل نقدها وموضوعها.. لذا لا بد من معرفة موقف الفيلسوف الدرامي ومؤسس النظرية الطبيعية الأول.. لأن سوفكليس نظر إلى الطبيعة الإنسانية قبل الطبيعة الإلهية.. لاحظ نحن هنا نكتب عن أدب وليس تشريع ديني. سوفوكليس الذي أدخل الممثل الثالث استطاع الملائمة بين ثنائية الصراع المؤلفة من القوى العليا ممثلة بالآلهة والمهيمنة على مقادير العالم وإرادة الإنسان التي يتمتع بها. ففي مأساة أنتيجونا مثلاً نلاحظ مثل هذه الثنائية مجسدة في الصراع بين القانون الإلهي والقانون البشري، لقد جعل سوفوكليس من أنتيجونا شخصية صارمة تتمسك بطاعة القوانين السماوية فإذا ما شعرت بشبح الموت يدنو من جسمها النحيل تعلقت بالحياة وعادت إلى سيرتها الطبيعية، وأصبحت امرأة من البشر وعندئذ نشفق عليها بعد أن كنا نشفق على كريون (23)... ويظهر أن ادب سوفوكليس يعنى بالطبيعة الإنسانية أكثر مما يعنى بالطبيعة الإلهية، ويرفض كل ما هو خارق للطبيعة. فكل شيء لديه إنساني حتى أخلاق الآلهة وتصرفاتهم تأخذ مظاهر إنسانية طبيعية استطاع سوفوكليس أن يلائم بين العقل والقلب. وبين الإنسان والآلهة وخلف لنا مسرحاً مثالياً وأدباً متزناً نشعر فيه بالصفاء الروحي/ ونخلص إلى أن سوفوكليس هذّب من المأساة وهو أول من أدخل مفهوم الوشاية أو الدسيسة يقول د. عرسان في كتابه الهام سياسة في المسرح ص 80، 81، 82: كان سوفوكليس أول من أوجد الدسيسة أو المؤامرة.. وأول من استخدم المناظر المسرحية استخداماً كاملاً بحكم حاسته المسرحية القوية، وإدراكه لقيمة المؤثرات. فهو في مسرحية الكترا يحضر جثة كليتمنسترا أمام ايغستوس على أنها جثة أورست، وعندما يكشف ايغستوس الغطاء عن الجثة يعرف خطأه ومصيره لقد عني برسم شخوص مسرحياته وحمَّلها مصيرها على مستويات عدة نفسية وجسمية وعقلية وبين لها سرَّ ضياعها وانهزامها وتلاشيها، ولهذا نجد أن أرسطو اعتبر أن مسرحية أوديب الملك أجمل المآسي وأكملها في التراث اليوناني على الإطلاق.