في مقدمة لقراءة محطات ومطبات الحوار الوطني بين زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي ونظام الإنقاذ الحالي الذي جاء إلى سدة السلطة الراهنة بانقلاب ثوري مدني وعسكري قامت به في العام 1989 النخبة السودانية في الحركة الإسلامية الحديثة والمعاصرة، أشرت أمس إلى الذكرى العبقة التي ظلت عطرة وخالدة فيما يتعلق بما ترتب عليها من تقدير خاص، ومودة ومعزة مكنونة ومختزنة في الوجدان بشأن المناضل الوطني والقيادي في حزب الأمة وكيان الأنصار وحاكم كردفان الأسبق السياسي النبيل الأستاذ عبدالرسول النور. وكما ذكرت أمس فقد كنت قد قمت بزيارة لعروس الرمال عاصمة وحاضرة كردفان إبان تولي الأستاذ عبد الرسول النور لمنصب الحاكم الإقليمي لها في أواخر النصف الثاني من ثمانينات القرن الميلادي العشرين الماضي. وكانت تلك الزيارة ذات الطابع الصحفي والشخصي قد تمت بناء على اتفاق بين كل من الأستاذ عبد الرسول النور وصديقه ورفيقه وزميله المناضل الوطني والإسلامي الثوري الجسور المرحوم أحمد عثمان مكي الشهير بلقب «ود المكي» وذلك عندما كان الأخير يتولى رئاسة تحرير صحيفة «الراية» الناطقة باسم الجبهة الإسلامية القومية في تلك الفترة من الحقبة الأخيرة لممارسة الديمقراطية الحزبية الحرة. وقد استضافنا الأستاذ عبدالرسول النور أثناء تلك الزيارة الصحفية والشخصية لمدينة الأبيض في مقر سكني حكومي رافقنا سكرتيره الخاص في تلك الفترة زميلنا وصديقنا الأستاذ صلاح جلال الذي كان من الكوادر الشبابية النابهة والناشطة والمتميزة والمتألقة في حزب الأمة وكيان الأنصار في ذلك الحين الذي برز فيه معه آخرون مماثلين له من جيله وجيلنا في الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، وعلى رأسهم آنذاك كل من الزملاء والأصدقاء د. صديق بولاد، والأستاذ حسن أحمد حسن، وغيرهما ممن لجأوا إلى الهجرة والإقامة بالمنفى في الغربة في البلاد الغربية التي تموت من البرد حيتانها كما وصفها الأديب الأريب الراحل الأستاذ الطيب صالح بعد أن تجرع مثل هذه التجربة في الهجرة المرة وعبر عنها بأسلوبه الروائي العميق والبديع والرفيع. وفي أثناء تلك الزيارة التي استضافها الأستاذ عبد الرسول النور وصديقنا وزميلنا صلاح جلال، جاء إلى عروس الرمال وفد من الجبهة الإسلامية القومية بقيادة الشيخ الجليل الأستاذ إبراهيم السنوسي.. وقد طلب مني ذلك الوفد قطع الزيارة لمدينة الأبيض، والذهاب معهم إلى مدينة كادوقلي عبر الطريق البري الذي يمر بالدلنج.. وفي تلك الجولة التي رافقت فيها وفد الجبهة بقيادة الشيخ السنوسي تعرفت في مدينة كادوقلي حاضرة جبال النوبة وجنوب كردفان على شخصيات عظيمة، برزت في القيام بأدوار جهادية لافتة عندما استولت الجبهة على سدة السلطة بالانقلاب الثوري الذي أطاحت فيه، بالحكومة المدنية المنتخبة برئاسة زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار السيد الصادق المهدي. ومن أبرز الشخصيات العظيمة التي تعرفت عليها في مدينة كادوقلي آنذاك المناضل الوطني الجسور والمجاهد الشهيد محمد عبد الله «الكلس» الذي برز كقيادي في الدفاع الشعبي، وإلى جانبه زميل له كان قد اشتهر باسم «غاليهم» كلقب له، ولا أدري عنه شيئاً في الوقت الحالي. وأرجو أن يمد الله في عمره إن كان حياً، وأن يشمله برحمته إن كان قد رحل عن الدنيا الزائلة والفانية إلى الدار الخالدة في الآخرة الباقية. وكما وضح لي أثناء مرافقتي لوفد الجبهة المشار إليه بقيادة الشيخ السنوسي، فقد يمكن ويجوز القول إن تلك الجولة في جنوب كردفان وجبال النوبة حينها ربما كانت بمثابة مقدمة مندرجة في التحضيرات والتجهيزات والتمهيدات التي قامت بها قيادة الجبهة آنذاك لتنفيذ خطتها في الاستيلاء على سدة مقاليد السلطة والسيطرة عليها بانقلاب ثوري مدني وعسكري اضطرت للقيام به عام 1989م باعتباره أمراً لم يكن هناك مفر منه كما قال الأستاذ علي عثمان في الإفادة التي أدلى بها للزميلة صحيفة «المستقلة» ونشرته في عددها الصادر أمس. حيث جاء الإقدام على القيام بالاستيلاء على السلطة عام 1989م بعد أن رفض زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار الاستجابة لاقتراح الجبهة الذي تقدمت له به كرئيس للوزاء ودعته فيه إلى المشاركة معها في انقلاب ثوري دستوري. وكما هو واضح فقد كانت تلك هي المحطة الأولى في الحوار الوطني الذي تتابعت محطاته ومطباته مع المهدي حتى الوقت الحالي.. ونواصل غداً إن شاء الله.