منذ وصوله لكرسي الحكم في ولاية غرب كردفان بعد قرار رئيس الجمهورية بعودة الولاية باعادة تقسيم كردفان من جديد لثلاث ولايات هي جنوب كردفان وشمالها وغربها، عمت الفرحة اهالي غرب كردفان على وجه التحديد، لكنهم طالبوا باسترجاع ولايتهم ورفضوا بشدة تذويب الولاية في اطار ترتيبات السلام والبروتكولات الخاصة بالمنطقة التي أقرت قيام مشورة شعبية في جنوب كردفان بعد دمج غرب كردفان فيها باتفاقية عام 2005م المعروفة باتفاقية السلام الشامل في البلاد، والتي بمقتضاها نال الجنوب حق تقرير المصير وانفصل لاحقاً واعلن دولة مستقلة. نعم كانت عودة غرب كردفان مطلباً لا حياد عنه لأهلنا المسيرية والحمر كمكونات أساسية للتركيبة السكانية لقبائل المنطقة. غير أنه وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلتها حكومة اللواء أحمد خميس وكبار معاونيه وعلى رأسهم وزير المالية والاقتصاد الدكتور ناصر علي عمر والتي ادت إلى استقرار الفصل الاول الخاص بالمرتبات للعاملين بالولاية حتى ابريل الماضي واستقرار سير الدفعيات للمشروعات الخدمية والتنموية المدرجة في ميزانية هذا العام، ومن بين أهم هذا المشروعات برامج المياه البنيات التحتية الأخرى، وهي من الاعمال المهمة جداً التي عكف الخبير الاقتصادي ناصر علي عمر على انجازها وفي فترة وجيزة مع القائمين في صندوق الايرادات ووزارة المالية الاتحادية واللجنة المشتركة لقسمة الاصول ومراجعتها عبر معرفته كاختصاصي متمرس في هذا المجال، نردد ونؤكد أن هذه الخطوات العظيمة تواجه اليوم خطر التراجع والتجميد بل والانهيار الشامل، ويعزى ذلك كله إلى أن الوالي احمد خميس فتح اذنه لسماع الوشايات وعمل بها في تقريب وإبعاد معاونيه، وفوت على نفسه فرصة للقفز بالولاية بالاستفادة من الاستقرار التنفيذي والتشريعي والحزبي الذي شهدته الولاية في بواكير عهدها. لكن الواقع الحالي في الولاية مأزوم جداً، فالذين طالبوا باسترجاع الولاية، وسهروا على تحقيق هذا الحلم موظفون لهم كل قدراتهم وعلاقاتهم السياسية والاهلية والمادية، وهم اليوم اكثر الناس تحسراً على الواقع المر، حيث ان الأزمات السياسية تحاصر الولاية من كل الاتجاهات، والوالي بعيد كل البعد عن أية إشكالية تقع في الولاية وكأنه يعيش في جزيرة معزولة، وما احداث الدبب الاخيرة ببعيدة عن الاذهان، واعتقد ان ما خسره الوالي في الآونة الأخيرة جراء سياساته تجاه الولاية كبير لا يمكنه بأي حال تعويضه في القريب العاجل، خصوصاً اقدامه على اتخاذ قرار خاطئ في توقيت غير مناسب بتعديل الحكومة وعدم مواساته لأسرة الضحايا في الصدامات الاخيرة التي وقعت في بعض مناطق بالولاية. فمجتمع غرب كردفان ينظر لحكومة اللواء خميس الاخيرة على اعتبارها تصفية لحسابات شخصية مع بعض الوزراء وارضاء لبعض المحسوبين عليه والمقربين منه من أصحاب الشركات الذين يعملون في مجال الانشاءات ويدورون في فلكه ليل نهار، بل تمادى هؤلاء لأكثر من هذا واصبحوا يعدون كراسات المواصفات بأنفسهم متجاوزين الجهات المختصة في وزارة التخطيط العمراني وفي الوزارات ذات الصلة، وفي حالة مطالبة الرسميين في الحكومة للوالي بالزام هذه الشركات باتباع المواصفات التي تضعها الجهات المعنية يفسر الامر على اعتباره مكايدة من بعض الوزراء والمسؤولين للوالي لابعاده ولخدمة اغراض مجموعات أخرى تطمع في الوصول لحكم الولاية حتى زرعوا في نفسه عدم الثقة تجاه معاونيه وضربوا سياجاً من العزلة عليه، واشاعوا في المجالس أن مجموعة بعض الوزراء المقالين غير متعاونين مع الوالي، مع ان المرحلة في غرب كردفان مرحلة تأسيس واعادة بناء لولاية جديدة في حاجة لاعادة تأهيل في كل مؤسساتها لا تحتمل ابداً التشاكس وعدم الانسجام داخل الجهاز التنفيذي، وثمة مسألة أخرى كانت من الملاحظات البائنة يجسدها صرف المال بلا أسبقيات واولويات ما يفتح على الوالي ابواب الفساد وابواب جهنم ان لم يأخذ حذره من فوضى الصرف باسم الاستثمار والتنمية الخدمية، وألا ينجر وراء أصحاب الشركات لأنه في النهاية يدفع الثمن لوحده ان لم يراع الطرق القانونية والاجراءات الفنية المتعلقة بإنجاز المشروعات الخدمية والتنموية. نحن لا نريد أن نستبق الاحداث غير اننا ندعو أهل غرب كردفان ليتابعوا ويراقبوا، فما يجري حالياً يؤكد ان كل شيء في الفولة وبابنوسة وغيرها ينهار ومهدد تماماً بالتوقف، ولا نريد ان نزرع اليأس لأن غرب كردفان فيها البدائل المؤهلة القادرة على مواصلة المسيرة بمباركة الناس هناك، وفيها الوزير عبد الواحد يوسف وزير الداخلية الرجل الذي تؤهله مجاهداته وكسبه واستقامته وحنكته السياسية ليقود غرب كردفان، وفيها ومنها أيضاً الدكتور عيسى بشرى نائب رئيس المجلس الوطني السياسي الضليع الذي خدم في كل مستويات الحكم المحلي ومستويات السلطات الدستورية، ومتزود بتجربة قوية في حكم الولاية حين كانت جزءاً من جنوب كردفان، وصاحب علاقات ممتدة مع كل مكونات الولاية، وملم بكل تعقيداتها، ولم تفصله كونه ممثلاً لدائرة جغرافية من دوائر الخرطوم الرئيسية من التواصل مع مجتمعه الأم، ولذلك فإن البدائل الجاهزة هؤلاء الذين ذكرناهم وغيرهم كثر لا يسع المجال لحصرهم، وهذا يجعلنا نقول للواء احمد خميس تحسس كرسيك جيداً فتجربة الحكم الهشة في الولاية لا تحتمل مضاعفة الاخطاء وتكرار الفشل، لأننا ننتظر من ثمرة الحكم في غرب كردفان استقراراً يؤمن أهم المنافذ الحدودية مع دولة الجنوب، ويعالج التشوهات في قضية أبيي، ويرتق النسيج الاجتماعي الداخلي بين القبائل لتكون صمام امان من اية خروقات لحركات تمرد تسعى بخروجها عن القانون وطاعة الدولة لزعزعة الأمن ونسف الاستقرار وزرع الفتنة وكفى.