إذا كان عدد مقدر من المسلمين في أرجاء العالم يستقبلون شهر رمضان المعظم قبل مجيئة بشهر أو أكثر بالصيام وقيام الليل والتضرع لله، فإن صنفاً آخر من الناس يجعلون من هذا الشهر المبارك فرصة سنوية للهمبتة والضربات المليارية، فما أن تقترب تباشيره حتى يسارع عدد كبير من المافيا التجارية إلى زيادة أسعار العديد من السلع الاستهلاكية مثل السكر، الذي عادة ما يقوم بالمضاربة فيه كبار الرأسماليين الذين يستطيعون شراء كميات كبيرة منه مما يحقق لهم أرباحاً ضخمة في فترة وجيزة، كذلك هم يختارون لبن البدرة نسبة لارتفاع الطلب عليه في هذا الشهر، الأمر الذي أدى إلى زيادة سعره بصورة لا يمكن أن تُعزى لمكنيزم السوق وتفاعلاته العادية، إذ أصبح سعر عبوة «2500» جرام في صنف معين من هذه الألبان أكثر من مائتي جنيه، بينما بيعت نفس هذه العبوة من صنف آخر بمبلغ «160» جنيهاً، هذا غير بقية السلع الأخرى مثل الزيوت النباتية والتوابل وغيرها، ومن الواضح أن تلك الفئة الانتهازية لا تهزها النفحات الرمضانية ولا تشتاق إلى بشارتها في المغفرة والرحمة، ولهذا من المنتظر أن تستمر في تلاعبها بأسعار السلع المهمة في هذا الشهر المبارك حتى إشعار آخر. قضية وقضية أيدت محكمة الاستئناف أو المحكمة الأمريكية العليا حكماً بالسجن على الصحافي الأمريكي جيمس رايسن المتخصص في قضايا الاستخبارات، ورفضت الاستئناف الذي قدمه وادعى فيه أن حكم المحكمة ينتهك حرية الصحافة والإعلام، وعللت المحكمة حكمها بأن الأمر يتعلق بالأمن القومي الأمريكي، وجاءت الإدانة بسبب تناول الكاتب ملفات خاصة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي أيه». وأظن أن كثيراً من التنفيذيين والسياسيين في الخرطوم سيعتبرون هذا الحكم مرجعية لهم حول مفهومهم للأمن القومي، بينما يرى كثير من الإعلاميين والمراقبين أن هذا المفهوم يحتاج إلى الضبط حتى لا يكون مترهلاً ويسع كل القضايا في ثيابه الفضفاضة، لكن لا بد من التنويه هنا بأن قضية الصحافي الأمريكي كما هو واضح ليست متعلقة بقضايا فساد أو تشويه سمعة فرد أو جماعة أو كيان، لكنها تتعلق تحديداً بمعلومات حساسة سُربت من جهاز المخابرات الأمريكي قد تؤثر على بعض مصادرهم ومعلوماتهم فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، إذن القضية هنا واضحة المعالم بالنسبة لهم وفق بينات محددة اطلعت عليها المحكمة وقدرت مدى خطورة تسريبها وإسقاطاتها المباشرة على أمن بلادهم، ولهذ فهي لا تتعلق بتفسيرات غير منضبطة حول مفاهيم يمكن الاختلاف حولها بالرغم من أن محامي الصحافي حاول أن يثبت أن القضية تتعلق بالحرية الصحفية، غير أن القضاء نظر إلى تلك الدفوعات ليس وفق ادعاءات حكومية فضفاضة، بل وفق ما اطلع عليه من مستندات ومعلومات فعلية بعد نظر وفحص استمر ثماني سنوات. يوسف عبد الفتاح مرافعة على الهواء اتصل بي تلفونياً قبل أيام قليلة العميد «م» يوسف عبد الفتاح معلقاً على مقالنا في هذه الزاوية بعنوان «رامبو هجمة تجميلية»، ونفى ما أوردناه نقلاً عن صحيفة «الوطن» قبل سنوات من الهيئة القومية للغابات بأنها فتحت بلاغاً في نيابة حماية المستهلك ضد هيئة السلوك الحضري التي يرأسها العميد «م» يوسف عبد الفتاح، وذلك لقطعها الجائر للأشجار والنخيل بعدد من محليات الخرطوم آنذاك، وقال إنه لم يقطع أي أشجار بل الصحيح أنه قام بزراعة النخيل في عدد من شوارع الخرطوم حتى أنه أثمر الآن، كما قام بزراعة المانجو في شارعي القصر والمستشفى وغيرهما، وقال إن البوابة التاريخية للسكة الحديد التي أزالها قبل سنوات كانت بسبب فتح طريق بيو يوكوان وهو شارع مهم أسهم كثيراً في فك الاختناقات المرورية. ونحن من جانبنا لم نُبخِّس ما قام به العميد يوسف، بل قلنا إنه وضع لمسات تجميلية على شوارع الخرطوم، وهو أمر إيجابي سيما والعاصمة أكثر ما تحتاج إليه الآن المتابعة الميدانية المباشرة، لكن إذا كان التاريخ مطلوب إعادته فيما يختص بهذه المتابعة اليومية الميدانية من سعادة العميد يوسف، فإن حرفية جزئياته المتعلقة في اتخاذ القرار الفردي غير مطلوب استنساخها بطبيعة الحال مرة أخرى بعد حوالي خسمة وعشرين عاماً من قيام الإنقاذ. فالولاية الآن لديها مجلس تشريعي وإدارة هندسية وتخطيطية، لهذا ليس من المطلوب أن تتنزل هذه الصلاحيات لدى أية جهة واحدة ناهيك أن يكون فرداً واحداً مهما حسنت نواياه وخلص عمله لله، مع تثميننا لما يقدمه الأخ يوسف عبد الفتاح من عمل وهمة ونشاط لا تخطئه العين.