ظلّت مهنة القابلة الصحيَّة بولاية النيل الأزرق تشهد ومنذ أمدٍ بعيد عقبات كبرى أثَّرت وأفضت بشكل كبير في إحداث مآسٍ إنسانيةَّ حقيقية بفعل التجاهل الكبير من قبل الجهات المختصّة بالمركز والولايات لمهنة تُعتبر شريان الحياة والضامن الحقيقي للتكاثر وحفظ الحياة الأمر الذي أدَّى إلى حدوث مئات بل آلاف حالات وفيَّات الأمَهات جرّاء تعثُّر الولادات الطبيعية وعدم خروج المشيمة، ولعل حادثة وفاة السَّيِّدة خديجة منصور في السادس من أبريل من عام ألفٍ وتسعمائة تسعٍ وستين بقرية (ديم سعد) الاستراتيجية والتي تُعتبر أهم منفذ مائي بالنسبة للسودان ومصر بحكم وجود أوّل محطة للبحوث الهايدروليكية وقياس كمية المياه الواردة من الهضبة الأثيوبية عبر النيل الأزرق، بذات الأسباب أبلغ دليل على ما ورد أعلاه من اتهام، وذات المأساة ظلَّت تتكرر وبشكل شبه دائم طوال العقود الماضية بجُل محليَّات ولاية النيل الأزرق وخاصَّة محليَّات الكُرمُك وقيسان وباو، حيث مازالت تُعاني مهنة القابلات الصِّحٍّيَّات الأمرَّين من عدم توفير المعينات اللازمة لأداء أعمالهنَّ فضلاً عن عدم تضمين أغلبهن ضمن كشوفات الفصل الأول أو اعتمادهن بصورةٍ رسميّة ضمن الطاقم الصِّحي بمستشفيات المحليَّات على قلتها أو المراكز الصِّحَّيَّة إن وُجِدَت، في ظِل النَّقص الحَاد في مُجمل الكوادر الصِّحًّيّة خاصَّة الأطباء المُتخصِّصين وفي كافَّة المجالات الطبِّيَّة. وتُشكِّل الإجراءات الرَّسميَّة عائقاً حقيقيَّاً أمام القابلات لأداء أعمالهن بصورةٍ طبيعيّة ولم تجِد حلولاً ناجعةً من الجهات المعنيَّة حتى الآن، هذا الحال تعكسه شكوى أكثر من تسعين قابلة بمحليَّتي قيسان والكرمُك من عدم تمكنهن من صرف مستحقاتهن بصورةٍ منتظمة منذ أكثر من عشرين عاماً الماضية، بل منهنَّ من لم تستلِم مليماً واحداً من الحكومة السودانية مُنذ أكثر من أربعٍ وخمسين عاماً الماضية مثل حالة القابلة (نصره ابراهيم) التي ظلت تعمل قابلة قانونية بقرية (جُرُط) جنوب الكُرمُك وتُغطي أكثر من ست قُرى متاخمة لقريتها، فضلاً عن حالة (خطوه الهادي) التي ظلَّت تعمل في ذات المجال منذ عام (1983م) ولم تصرُف راتباً مُعتمداً منذ ذاك الحين من أيٍ من الوُحدات الصِّحِّية المعتمدة وإن كان اسمها مُضمَّناً ضمن كشوفات القابلات بوزارة الصَّحَّة الولائيَّة. أكثر من مئتين وخمسين قابلة بالمحلِّيَّتين، كُرمُك وقيسان، يحملنَ شهاداتٍ مُعتمدة من وزارة الصَّحَّة الاتحادِيَّة تُفيد بأنَّهِنَّ أتممنَ دراستهنَّ وتخرَّجنَ من مدارس القابلات الصِّحِّيّات، سواءً من الدمازين أو سنَّار، وأقنعن المُمتَحِنين بجدارتهِنَّ لمزاولة مهنة (التوليد) كقابلات قانونيَّات، وفق الوارد في الشهادات الممنوحة لهنَّ من وزارة الصَّحَّة الاتحَادِيَّة، ومع ذلك، لم يتمكَّنَّ من مُزاولة أعمالهنَّ بشكلٍ طبيعي حتى الآن، رغم جهود معتمدو المحليتين سواء السابقين أو الحاليين، وتوصياتهم لوزارة الصَّحَّة الولائيَّة بضرورة اعتمادهنَّ واستكمال تعيينهنَّ، فضلاً عن مُطالبة معتمد الكرمُك الحالي النور محمد عبد الله الرباطابي لوزارة الماليّة الولائيَّة باستثناء (144) كادر صحِّي من كافَّة التخصُّصات للعمل بمحليَّتِهِ، بينهم (54) قابلة، إلا أن الماليَّة لم تُولِ الأمر اهتماماً بحُجَّة عدَم وجود ميزانيَّة كافيّة لاستيعابهم. راهن محليّتي الكُرمُك وقيسان بالتحديد، يتطلَّب ويُبيِّن الحاجة الماسَّة لتعيين كوادر صِحِّيَّة من أطباء وقابلات بأعجل ما يكون، سِيَّما وأن مُجمل الكوادر القديمة بالمحلِّيتين أحيلوا للمعاش، ومن لم يُحال اضَّطرتهُ الحرب للنزوح لمعسكرات اللِّجوء بدول الجوار. إزاء ماورَد عاليهِ، وفيما وعَد معتمدا الكُرمُك وقيسان، النور محمد عبد الله ومنصور التوم محمّد وتعهَّدا بحل جُلَ ومُعالجَة كافَّة مُشكلات القطاع الصِّحِّي وخاصَّة قضيَّة القابلات بمحلِّيَّتيهِما واللائي تفوق أعدادهِنَّ أكثر من مئتين قابلة، إلَّا أن المُدير التنفيذي لمحلِّيَّة الكُرمُك عادل إبراهيم العقَّار، كان أكثر واقعيَّة وتحدَّث لنا بواقعيَّة وأكَّدَ عدّم قُدرة محلِّيَّتهِ على الإيفاء باستحقاقات قابلات المحلِّيَّة في الوقت الحالي، خاصَّة وأنَّها تُعتبر من أفقر محلِّيَّات البلاد عامَّة، لتأثُّرها بتداعيات الحرب وعدم وجُود موارد تُدِرُّ عليها المال، فضلاً عن أنها ما زالت تتلقى فصلها الأوَّل من الماليَّة الولائيَّة، بما يعني أن يدها مغلولة أمام حل قضيَّة القابلات الصِّحيَّات بالمحليِّة. العقَّار في حديثه ل (الإنتباهة) ناشد الجهات المُختصّة بالولاية والمَركز بضرورة مساعدة محليته وتعيين وحلحلة كافة مشكلات القابلات وتعجيل صرف مُتأخراتهن وتحفيزهنَّ لتقليل وفيَّات الأُمَّهات والأطفال حديثي الولادة، ودعم مستشفى الكرمك بالكادر المؤهَّل وتوفير الدواء وكافَّة معينات العمل. وفي السِّياق، لم ينفِ وزير الصَّحَّة بالنيل الأزرق بابكر أبو حليمه تردّي الخدمات الصحِّيَّة بالولاية، إلا أنه ردَّها للظروف الأمنيّة التي عاشتها الولاية خلال الفترة الماضية، والتي قال إنها تسبَّبت في حجب الخدمات الصِّحِّيَّة بالمحلِّيَّات النائِية، وأقر في حديثه ل (الإنتباهة) بنقص الكادر الطبي من أطباء ومساعدين طبِّيين في محليتي الكرمك وقيسان، وأكد سعي وزارته لتوفيرهم وتزويد المحليتين بكافة معينات العمل الصِّحِّي والكوادر الفنيَّة والأدوية وقال إن الوزارة تعمل جاهدة لجذب الكوادر الطبِّيَّة المُتخَصِّصَة عبر توفير الامتيازات الإضافِيَّة الموازية لزملائِهِم بالولايات الأُخرى، ووعَدَ بحل كل مشكلات القطاع الصِّحِّي بمجمل محليّات الولاية وخاصَّة الكرمُك وقيسان خلال الفترة القادمة.