فكلما تقدم المجتمع الزراعي ونما اتسعت الهوة بينه وبين المجتمع الرعوي بصورة قد تهدد معها التجانس الطبيعي للسكان والتراضي بينهم في الرقعة الواحدة ويرجع ذلك للأسباب الآتية: الترابط الاجتماعي خارج حدود القبيلة ضعيف. 1/ غياب الوازع الديني في المجتمع الرعوي ولا سيما عند قيادته. 2/ القيادة في النظام الاهلي «الادارة الاهلية» مستواها التعليمي دون الوسط وترجع أحكامها للأعراف والتي ينكرها الجيل الجديد.. الذي تأثر باللفحة الحضارية. 3/ جهلها بالنظم القانونية والادارية. 4/ لم تتخلص من امراض الحمية القبلية حيث تجعل من الثأر دوافع قوية لقوى النفير والفزع ووحدة القبيلة. {وكما هو معروف إنه نتيجة للزيادة في المجتمع الزراعي فهنالك زيادة في الدخل.. كما أن هنالك تناقصاً مستمراً بالنسبة لنصيب الفرد في المجتمع الرعوي.. لأن القطعان وما يعتريها من أمراض وعوامل النهب في السنوات الأخيرة.. فاليوم يتجه كل العالم نحو التجمعات الكبرى على المستوى العمراني والاقتصادي والتعليم والصحة.. كما يوضع في الاعتبار العوامل الديمغرافية كما أن الخطط يجب أن تكون نابعة من واقع السكان واحتياجاتهم وأن غاية هذه الخطط هو تحسين أوضاعهم. أما إذا كانت الخطة الاقتصادية تسعى فقط إلى تحقيق عائد سريع فإن ذلك قد لا يتفق كثيراً مع الأهداف المحلية الواقعية. ومن الطبيعي ان يمثل الرعاة وحيواناتهم أحد طرفي النزاع الدائر على الارض.. إلا أن الوضع يختلف اختلافاً كبيراً في احداث محليتي الدبب وكيلك.. فإن الصراع صراع موارد لا علاقة له بالحيوان والمرعى أو الكلأ أو الماء فهو تسابق لامتلاك حق مشاع لكل القبائل القاطنة في المنطقة لا ملكية ولا حكر ولا وضع يد ولا تستطيع سلطة حكومية أن تمنح شهادة «بحث» لقبيلة أو أمير بأن هذه الأرض ملك «لفلان». { والرعاة: وترددهم على فلواتهم ومناطق الكلأ وموارد المياه وتمسكهم بكل شبر من الارض كملك جماعي يسع الجميع وبذلك يتسنى لهم ممارسة نمط من طرق تربية الحيوان قوامه الترحال الدائم.. وقد ضمنت له الاعراف الاحتفاظ بالتوازن التام داخل هذه البيئة. والترحال هو استجابة لطبيعة المنطقة التي تتميز بفصلين مختلفين أحدهما جاف والآخر ممطر.. وهنا وعلى هذا النمط أمر لا مفر منه إذ أنه أمر حتمي حتمته الطبيعة ومرتبط بها إلى حين تبديله بنمط آخر. لماذا يهدف هذا الصراع الأخير في محليتي الدبب وكيلك؟ هنالك مجموعة افتراضات: الافتراض الاول كانت مسارات هذه القبائل تتجه نحو الجنوب وهي تتاخم قبائل دينكا نقوك ودينكا نوير.. ولقد أصبحت هذه المناطق غير آمنة.. لا للمرعى أو التجارة.. فرأت هذه القبائل أن تتحول نحو أكثر من ماتين كيلو متراً بين محليتي الدبب وكيلك وقد يكون الأمر طبيعياً ولا يؤدي إلى نزاع مسلح تروح ضحيته هذه الارواح!! وما تشير إليه الحيثيات ان الاسباب لم تكن باسباب الارض مباشرة إنما هو محاولة تملك حقوق الآخرين بقوة السلاح؟! الافتراض الثاني: هو الارض التي سبق ان اقيم لها مؤتمر ورفض المؤتمر الاوراق التي كانت تدعي ملكية الارض او الخرط التي قدمت من أناس بعينهم وجعلت الارض ليعيش فيها الناس جميعاً في حدود الزرع أو «الصاراية».. لا ملك لأحد فوق ذلك؟!! الافتراض الثالث: درجت الكثير من القبائل الرعوية في هذه المنطقة ولاسيما مناطق مسوحات التنقيب عن البترول تسعى بالحيلولة لامتلاك أراضٍ شاسعة تدعي ملكيتها مستخدمة سلاحها ومستدرجة أطراف القبيلة للدخول معها في حرب القبائل صاحبة ملكية الأرض وذلك بحكم وجودها المتوارث منذ أجدادها وهي تعيش في هذه المنطقة قبل ظهور كشوفات البترول.. لأن شركات البترول درجت في تعويض هذه القبائل الرعوية أموالاً طائلة فتحت بذلك أبواب المغامرة. تحولها لشراء عتاد حربي مثل المدافع والراجمات والاربجي لأن سوق هذه الأسلحة موجود في جنوب السودان ودارفور وهو قريب لا يكلف عناءً. الافتراض الرابع: هنالك أعداد لايستهان بها من الذين أغرتهم هذه الحركات برتب عسكرية مثل رتبة اللواء والعميد والعقيد وهؤلاء تعليمهم دون الوسط وأغلبهم أميين.. وهؤلاء لهم معسكرات معروفة في جنوب السودان.. ينتهزون مثل نزاعات هذه القبائل وقبائلهم طرف في هذا النزاع فيتسللون لمناطق النزاع لإحداث اختراق أمني ومن ورائه هدف لهذه الحركات.. كما تقدم هذه الحركات تعرض بعض الأسلحة الفتاكة لتسليح هذه القبائل بالقيمة مثل الراجمات والدوشكات المحملة فوق العربات. وفي كثير من الأحيان تدخل الحركات في تجريدة مسلحة بكامل عتادها وعن طريق الإرشاد من الداخل تصل إلى قلب الأحداث لتساعد قبيلتها في طرف النزاع والغرض من ذلك هو توسيع دائرة النزاع واستخدام ذلك في الإعلام الخارجي بأن السودان غير مستقر.. فيؤثر ذلك في الاستثمار ويقدح في اضطراب الجبهة الداخلية.. بالإضافة لعوامل النهب الأخرى. وهذا النمط من تربية الحيوان والذي قوامه الترحال تمارسه غالبية القبائل المالكة للثروة الحيوانية بهذه الولائة مثل عرب المسيرية بطونها وأفخاذها كذلك قبائل حمر والكواهلة والكبابيش وهذه القبائل أجبرها الزحف الصحراوي للهجرة في فترة الجفاف وهي تمتلك الإبل والضأن وقليل من الأبقار بالإضافة لأبقار الفلاتة أم بررو.. فالرعي هنا مرتبط بشق كبير من أبناء هذه الولاية. يصعب تجاهلها. وهو أي هذا العدد الكبير من السكان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بثروتهم الحيوانية مثلهم مثل أي من القبائل الرعوية المتنقلة وهذا النمط المتسم بالترحال خلق نسيجاً من العادات الاجتماعية واكتساب مهارات في تربية الحيوان تهدف للحفاظ على التوازن التام في البيئة التي يعيش فيها الرعاة والحيوانات. وهم إذا قانعين بذلك النوع من الحياة إذا لم يمسهم أحد بضرر وأسلوبهم في الإنتاج يعتمد على الأسرة واحيتاجاتهم محددة والأرض ملك مشاع للجميع وبحكم التوزيع القديم المتوارث عند هذه القبائل فلكل قبيلة منطقة غير واضحة الحدود.. إلا ما تم التعارف عليه وشهد بذلك القبائل الأخرى.. فالانتماء أولاً واخيراً للقبيلة وليس للأرض وهذا من اقوى المؤشرات التي تساعد على استقرارهم في المستقبل.. وقد كان من الممكن ان يسير هذا التلازم الدقيق مع البيئة لو استمر هذا النطاق في عزلته ولكن نسبة لدخول مسوحات البترول والتنقيب وآبارهم فقد اكتسح البحث عن البترول 85% من مناطق الزراعة والرعي.. ولم تقدم هذه الشركات أي خدمات اجتماعية أو تنموية تذكر.. فما قدمته من مدارس بمواد غير ثابتة قضت عليها دابة الارض وزحف تلوث البيئة فهدد الإنسان والحيوان وتفشت أمراض الدم وأمراض الصدرية. ولم تكن في الأفق بارقة أمل لإيقاف هذه الوبائيات.. كما أهيب بالأخوين الجليلين المحتسبين لما قدموه من خدمات جليلة في حقل التعليم لأبناء المنطقة وهما الأخ الكريم حسن محمد صباحي والأخ الكريم محمد عبد الله جار النبي فلهم منا أسمى آيات الشكر والعرفان.