الأخ الأكرم د. حسن التيجاني صاحب «وهج الكلم» السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.. ٭ في البدء نشكركم على شعوركم الطيب نحو محتوى رسالتنا السابقة التي جاءت تعقيباً على ما جاء في وهج سابق حول الموضوع أعلاه. أخي.. لقد أحسست أن هناك بقايا مداد لم يسكب بعد حول موضوع الهوية هذه، فهلا سمحتم لنا بمواصلة الكلم؟... أصدقك القول بأنني أرغب في مد حبل التواصل معكم والتناصح في ما بيننا وبينكم وأنتم تسعون إلى وضع مستقر لهذه المجالس المهنية المتميزة، كما أرجو منكم أن تفسحوا المجال لغيرنا لكي يشاركنا الآراء والرؤى، فإلى هذه المحطات: أخي د. حسن... إننا بوصفنا مهنيين تنقصنا بعض في الأحيان الدقة في تسمية بعض أمورنا المهنية، فالمجلس الطبي مثلاً والمجلس البيطري... وقانون المجلس الطبي... وقانون المجلس البيطري... ونحو ذلك.. هذه الأسماء لا تعكس هوية ولا تبرز نشاطاً لهذه المجالس لأنها أسماء فضفاضة وغير محكمة بالرغم من أننا ورثنا هذه الأسماء منذ عهد بعيد. ولكي نكون أكثر دقة: كان يجب أن نربط اسم المجلس واسم قانون المجلس بالمهنة فنقول «مجلس المهن الطبية» و «مجلس المهن البيطرية» و «قانون المهن البيطرية» وعلى ذلك قس، لكون ذلك هو الأقرب وقعاً والأكثر نفعاً والأقوى أثراً، فهل أنت معي أخي د. حسن؟. ٭ علمت منذ وقت مبكر بفكرة قيام كيان مهني منفصل للكوادر الطبية والصحية المساندة تحت اسم «مجلس المهن الطبية والصحية». ولما تحولت الفكرة الى واقع معاش فرح أنصار الكيان، أما أنا فلم أستحسن ذلك، ليس حسداً مني ولا سخطاً، ولكن حرصاً مني على بقاء المهن الطبية متوحدة متماسكة باعتبار أن المهن تتوحد ولا تتفرع، وأن غاية الأمر هو تحقيق مكاسب مهنية وليس تحقيق مطالب فئوية، وأن أعلى معايير تبادل المنافع من النواحي المهنية والعلمية والأكاديمية والثقافية ستتحقق بدمج المجلسين في مجلس واحد تحت اسم «مجلس المهن الطبية». ٭ من تعامل الأجهزة المختصة مع طلبات التصديق بقيام مجالس مهنية أحسست بأن هنالك إشكالية في تحديد ماهية المجلس المهني وماهية المهنة والحرفة. وإلا فلماذا تقوم تلك الأجهزة بمنح تصاديق بإنشاء المزيد من المجالس المهنية، مع أن المهن في السودان لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وما عدا ذلك فهي «حِرَف» «بكسر الحاء وفتح الراء»، ما يستدعي مراجعة أمر هذه التصديقات. ٭ لدى الأجهزة المشرفة على المجالس المهنية اعتقاد بأن هذه المجالس تماثل المجالس الأهلية التي تقوم طواعية بأعمالها، ولهذا فإن هذه الأجهزة تقدم «مجرد دعم» مالي لهذه المجالس وليس ميزانية بأوجه صرفها المعروفة، على أمل أن تقوم هذه المجالس بتوفير تمويل إضافي من مواردها الذاتية، علماً بأن هذه المجالس لا تدير أعمالاً ربحية، وأن ما تتحصل عليه هذه المجالس من رسوم هي رسوم ضعيفة ولا تغطي تكلفة نثريات الاجتماعات، مما يستوجب إعادة النظر في أمر الدعم المقدم لهذه المجالس. كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن اتجاه لتبعية المجالس المهنية للوزارات المختصة، واستبعد نجاح مثل هذا الاتجاه نسبة لوجود عقبات قانونية ودستورية وإدارية ستعترض سير تنفيذ هذا الاتجاه، فلنأخذ هذا المثال: هب أن مهمة الإشراف على المجلس البيطري السوداني قد أسندت لوزارة الثروة الحيوانية والسمكية والمراعي الاتحادية، ففي سبيل تنفيذ هذا التوجيه ستواجه وزارة الثروة الحيوانية التحديات الآتية: أولاً: ستجد الوزارة نفسها أمام إجراء إصلاحات مؤسسية وقانونية واسعة لكي تستقبل الوافد الجديد الذي يقتضي التعامل معه ضمان استقلاليته واحترام قراراته وتأكيد صلاحياته واختصاصاته في ترقية وتنظيم شؤون المهنة البيطرية في القطاعين العام والخاص، وإدارة سجل موحد للمهنيين البيطريين والكوادر المساعدة. ثانياً: تقتضي الإصلاحات أن تتم الولاية الكاملة لوزارة الثروة الحيوانية الاتحادية على الخدمات البيطرية في جميع أنحاء القطر باعتبار أن وكيل الوزارة هو المسؤول الأول عن هذه الخدمات، علماً بأن الوكيل هو ممثل الوزارة في المجلس البيطري وينفذ توجيهات المجلس بتنسيق كامل مع المجلس. وهذا الإجراء سيمكن الوزارة من إدارة كشف موحد للأطباء البيطريين العاملين في الحكومة حتى الدرجة الرابعة، إلا أن هذا الإجراء سيصطدم بالدستور الذي قلَّص صلاحيات وزارة الثروة الحيوانية ومنح جزءاً منها للولايات، مما يستدعي تعديل دستور السودان الانتقالي وإعادة ترتيب الجدول «أ» الملحق مع الدستور. ثالثاً: نعلم أن المجلس البيطري السوداني كيان سيادي استشاري تشريعي رقابي ذو صلاحيات واسعة، ويضم في تشكيلته معظم ألوان الطيف المهني والأكاديمي وعدداً من الخبرات من القطاعين العام والخاص، ويتعامل داخلياً مع أكثر من وزارة وجهة اعتبارية، كما يتعامل خارجياً مع كيانات نظيرة ومؤسسات أكاديمية ومنظمات علمية ومهنية ومنظمات راعية للمهنة البيطرية، ويعمل وفق موجهات دولية مختصة بصحة الإنسان والحيوان وصحة وسلامة وتجارة الغذاء. إذن تبعية بهذا الحجم تقتضي توسيع مظلة وزارة الثروة الحيوانية الإشرافية، وبسط عباءة الأخ الوزير بالقدر الذي يمكنه من مخاطبة جميع الجهات التي يتعامل معها المجلس داخلياً وخارجياً دون الرجوع لوزارة مجلس الوزراء. ٭ أخيراً أقول إنه مع هذه التعقيدات الإدارية والقانونية، فإنني أرى أن الحل الأسرع والأضمن والأسهل والأعدل والأشمل، هو إرجاع هذه المجالس المهنية لوزارة مجلس الوزراء، فهي الوزارة التي ينعقد لها اختصاص التخاطب مع أية جهة داخل السودان، وهي الوزارة الأقرب للدوائر العليا عندما يتطلب الأمر مخاطبة جهات خارجية بشأن عمل المجالس. أخي د. حسن.. انتهت رسالتي الثانية والأخيرة بشأن الهوية والله المستعان. د. يوسف محمد عبد الرازق طبيب بيطري من «الوهج»: أخي د. يوسف... أحييك على طول النفس والفهم القانوني والإداري العميقين... مع تحياتي.