من المرجح أن يزور وزير الصناعة السميح الصديق اليوم الثلاثاء مصنع نسيج مدينة الدويم ، وبما ان الزيارة تفقدية روتينية مثلها مثل زيارات الوزراء المختصين للمؤسسات التي تتبع لهم بين الفينة والأخرى دون ان تسفر الزيارات عن شيء.. كان لزاماً علينا ان نرمي بدلونا فوق الدلاء إن وجدت، خاصة ان امر الصناعة في بلادنا امر جلل خلاف ما ظل يردده العديد من وزراء الصناعة المتعاقبين والمتقلبين في المناصب منذ ربع قرن تقريباً، خصوصاً أولئك الذين لا يعرف المواطن لهم إنجازاً سوى قيامهم بتأهيل شركات مشبوهة لإعادة تعبئة السكر المعبأ أصلاً ليتضاعف سعره بوتيرة جنونية وبدون سبب، ويصطلي المواطن الغلبان بنيران الغلاء، وهؤلاء بسبب دعاء الناس عليهم ولعناتهم سيحصدون جزاء ما صنعوا ولو بعد حين، إن صناعة النسيج تقودنا للتساؤل عن المادة الخام التي تعتمد عليها مصانع النسيج وهي القطن.. والسؤال هو ما هي انتاجية السودان من القطن طويل التيلة وقصيره والمحور وراثياً منه وغير المحور؟ الاجابة هي ان السودان بعد ان كان البلد الافريقي الاكبر انتاجاً للقطن المزروع بمشروع الجزيرة والمصدر لمصانع «لانكشير» في قلب انجلترا، أصبح اليوم عاجزاً عن الإنتاج بسبب محاربة الدولة وسياساتها للعملية الزراعية ودخول «الآفات البشرية المتكاملة» كعنصر هادم لمشروع الجزيرة والزراعة قاطبة من خلال النظرة الانتهازية المصلحية الضيقة. لقد انهارت الزراعة في السودان لعدة اسباب، ابرزها اندفاع الحكومة تجاه صناعة النفط حتى اذا ذهبت عائدات النفط الى الدولة الوليدة في جنوب السودان عادت الحكومة لتتباكى علي المآل الذي وصلت اليه الزراعة، وإمعاناً في التهويم وعدم الاعتراف بالجرم انبرى من يتحدث عن امكانية ان يميل السودان مائة وثمانين درجة باتجاه الصناعة ليصبح بلداً صناعياً بعد ان فشل في ان يكون بلداً زراعياً وسلة لغذاء نفسه عوضاً عن سلة لغذاء العرب او العالم. ولعل الناظر الى حال المواد الغذائية المستوردة من الخارج يدرك حقيقة المآل الذي وصلنا اليه، فاليوم البلاد تستورد الطماطم والنبق والفواكه والقمح، ولو توقفت البواخر الناقلة لدقيق القمح الينا لفسدت الارض كما ان «نفايات الدول الصناعية الكبرى» اغرقت اسواقنا بكل منتج مضروب، وكل هذه الفوضى يدفع في مقابلها من العملات الصعبة على ندرتها، ولذلك البلد «جاثية على ركبتيها» تواجه الأعاصير الاقتصادية العاتية. وبعد انهيار الزراعة في السودان ها هو وزير الصناعة السميح الصديق يبشرنا بقرب احتلال السودان لمكانته ضمن الدول الصناعية، ويزور اليوم مصنع نسيج مدينة الدويم ليطلع على ما فيه إن لم يكن يعلم، ويتفقد أحوال الحصيلة من الإنتاج التي ظلت لمدة عام كامل داخل مخازن المصنع دون ان تجد طريقها للاسواق، وبحسب الاحصائيات الدقيقة هنالك أربعة آلاف ياردة من الأقمشة المختلفة مثل ملابس الجيش والبولستر والدمورية والدبلان تقبع كما أسلفنا منذ عام، ولا يدري أحد إلى من تعود ملكيتها الى وزارة الصناعة بقيادة السميح، أم الى وزارة المالية التي تدفع مرتبات مئتي عامل من عمال المصنع، ام الى مؤسسات اخرى لها ضلع في المسألة؟ ولكن الثابت والراجح ان تلك الكميات من الأقمشة مضافاً اليها مليون ومائة ياردة توجد بمصنع نسيج كوستي ظلت مجنبة بهدف غير معلن، وهو الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن هل زيارة السميح لنسيج الدويم اليوم تتضمن في أجندتها هذه المسألة؟ ومن المعروف بالطبع كخلفية ثابتة أن قطاع القطن والنسيج والمحالج دخل في حالة «غيبوبة» بسبب تداعيات قضية شركة الأقطان السودانية المملوكة للدولة، وهنالك خيوط متشابكة مازالت تنتظر من يفك اشتباكها لتتضح الصورة.