على الرغم من أن جميع الفعاليات الثقافية في السودان تنضوي تحت اجسام رسمية «اتحادات او روابط مثلاً» في مجالات الشعر والغناء والمسرح والادب، الا ان هناك شريحة لم تحظ بهذا التنظيم او قل الترتيب، الا وهي النقاد، فلم نسمع يوماً بأن هناك اتحاداً للنقاد السودانيين، سيما ان للنقد دوره المحوري والاساس في تقويم وتصحيح حركة الإبداع في مجالات الفنون والآداب بجميع مشاربها وقطاعاتها، ويبقى السؤال لماذا حتى الآن لا يوجد اتحاد يمثل النقاد في السودان؟ وما هي الأسباب وراء ذلك؟ ام ان النقاد ربما لا يحبذون ان يكونوا تحت سقف واحد.. «نجوع» في هذا التحقيق تحاول الإجابة عن هذه الاسئلة. ومن غير عناء يلحظ الباحث والناظر ان عدد النقاد السودانيين والذين اسهموا كثيراً في توجيه وتقويم وتطور حركة الابداع في السودان عدد ليس بالقليل، منهم على سبيل المثال لا الحصر حمزة الملك طمبل والأمين علي مدني والبروفيسور محمد ابراهيم الشوش والراحل البروفيسور علي المك ومعاوية نور ومحمد عشري الصديق والدكتور مصطفى الصاوي والدكتور احمد محمد البدوي والاستاذ هاشم ميرغني والدكتور عبد العليم اسماعيل والدكتور احمد الصادق والدكتور محمد المهدي بشرى والدكتور مهدي عبد الله والدكتور عجب الفيا وغيرهم، كما ان المؤلفات التي خطت في النقد بحسب المهتمين كانت كثيرة، ومن ابرز تلك المؤلفات ما خطه يراع البروفيسور عبد الله الطيب في سفره «المرشد الى فهم اشعار العرب» والبروفيسور عز الدين الامين حيث انجز في ذلك كتاب «مسائل في النقد» و «طلائع النقد العربي» و «نقد الشعر السوداني» و «الملامح الفنية في نقد العرب» وغيرها، وبدوره يقول الناقد الدكتور مصطفى الصاوي في حديثه ل «نجوع»: قبل سنوات كان هناك اجتماع للنقاد بصدد التفاكر حول الاتحاد، وطرحت فيه اسئلة من شاكلة «لماذا لا يوجد اتحاد للنقاد في السودان؟» و «هل هو ضرورة» لكن البعض آثر العمل ضمن اتحاد الكتاب، مضيفا انه يرى ان الاتحاد مهم ولا بد منه، وتمنى ان يتكون الاتحاد سيما ان العمل الجماعي ذو مردود كبير وقوي، واستدرك قائلاً: «الجهود مبعثرة لقيام اتحاد للنقاد» واكد الصاوي ان النقاد يعولون على الدولة لكن الدولة لا تعول على الثقافة، واوضح الصاوي ان في السودان اسهامات مقدرة في النقد لأناس يعملون في صمت ومنذ زمن مبكر امثال حمزة الملك طمبل والامين علي مدني ومحمد محمد علي والتيجاني يوسف بشير باسهاماته النقدية والبروفيسور عون الشريف قاسم، مروراً بالدكتور عبد الله حمدنا الله والدكتور عز الدين ميرغني والدكتور محمد المهدي بشرى ومختار عجوبة وغيرهم كثيرون، ويرى الناقد الدكتور عز الدين ميرغني ان السبب الرئيس لعدم وجود اتحاد ناطق باسم النقاد في السودان يرجع الى ان عدد النقاد قليل بالبلاد، ويقول ان العدد الفعلي للنقاد من الذين يمارسون النقد وينتجون لا يتعدى «10او 11» ناقداً، خاصة ان هنالك قاعدة تقول «ليس من يدرس النقد ناقداً» والتي تستثني الاساتذة الذين يدرسون طلاب الجامعات النقد باعتبار ان الاكاديميين ليسوا نقاداً، ولفت ميرغني الى ان اول اجتماع ضم مجموعة من النقاد وكان بغرض تكوين اتحاد لكنهم اختلفوا فيه في تعريف الناقد، واستدرك قائلاً «اعتقد انه من الافضل للنقاد ان يكونوا ضمن الكيانات الادبية القائمة الآن بدلاً من تكوين اتحاد خاص بهم»، مشيراً الى ان فكرة وجود اتحاد للنقاد يمكن ان تفهم في سياق انها تكتل ضد الكتاب وانتاجهم، لذلك تركها النقاد لذلك السبب. ويكشف ميرغني ان هناك عدداً من الاشكالات تواجه النقد في السودان تتمثل في عدم اهتمام الدولة نفسها ممثلة في وزارة الثقافة، حيث لا يوجد حتى الآن قطاع خاص بالنقد والترجمة، كما لا توجد انشطة ثقافية او ادبية «مؤتمرات، ورش» بالداخل، ولا توجد تسهيلات لسفر النقاد الى الخارج للمشاركة في انشطة النقد، ومن تلك الاسباب ان الجامعات السودانية «تحديداً كليات الآداب» لا تدرس النقد الحديث، وضعف مستوى اللغات الاجنبية لدى طلاب النقد، حيث ان معرفة اللغات الاجنبية مهمة لكي تطلع على انتاج الآخرين وترجماتهم واسهامهم في النقد. ويضيف قائلاً: إن صعوبة النشر للإنتاج النقدي تسبب هاجساً للنقاد، فكثير من المقالات النقدية المنشورة في الصحف هنا وهناك يمكن أن تجمع في كتب وتطبع ويكون لها اثرها الكبير، كما ان الملاحق الثقافية والحديث لعز الدين ميرغني في الصحف لا ترحب كثيرا بالمقالات النقدية ولا يوجد كتاب متعاونون في النقد في تلك الملاحق، ولا توجد مجلات سودانية متخصصة في النقد، وفي ذات السياق يضيف البروفيسور محمد المهدي بشرى أن سبب غياب اتحاد للنقاد يرجع الى ان النقاد منضون في اتحادات الكتاب او الادباء، كما يرجع الى ان النقد وبوصفه جنساً من الاجناس الادبية لا يجد الاحتفاء والاهتمام كباقي الاجناس الاخرى، ويعزو بشرى ذلك الى ان الثقافة السودانية القبلية ولزمان طويل كانت لا تقبل النقد بل وتشخصنه وتعتبره خلافاً شخصياً ولا تراه نقداً موضوعياً ومنطقياً او عملاً ابداعياً يكمل الابداع، مضيفاً ان هذه النظرة تؤثر نفسياً في النقاد. واكد بشرى ان النقد تطور في العالم اجمع بالدراسات، مضيفاً ان النقد من غير دراسة يعد انطباعاً فقط ولايخدم الابداع، مشيراً الى ان هناك مستوى كبيراً ومتقدماً من النقد في السودان قديماً وحديثاً امثال التيجاني يوسف بشير وصلاح احمد ابراهيم ومحمد عبد الحي وجيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن والطيب صالح ومعاوية نور وغيرهم كثيرون، اسهموا ويساهمون الآن في مسيرة النقد بحظ وافر وينتظر منهم الكثير والكثير، ويوضح بشرى أن المسابقات التي ظهرت أخيراً مثل جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي تسهم كثيراً في تنشيط حركة النقد وتطويرها.