النذير إبراهيم العاقب: تشهد حاضرة ولاية النيل الأزرق الدمازين صباح اليوم، احتفال مفوضية العون الإنساني باليوم الوطني للتطوع، تحت شعار«بالتطوع ننمي ذاتنا ونهضة بلادنا»، ويهدف الاحتفال لتحفيز المشاركة المجتمعية وإيجاد سياسات تشجع الأعمال التطوعية وتسهم في زيادة الأنشطة ذات الصلة، والاعتراف بأهمية العمل الطوعي في تنمية المجتمعات من خلال إيجاد شراكات فاعلة بين المجتمعات المحلية والقاعدية ومنظمات المجتمع المدني والحكومات والمؤسسات التطوعية والمتطوعين والأفراد. ومن المنتظر أن تُدشن المفوضية من خلال الاحتفال المبادرات المؤسسيَّة والأهليَّة والفرديَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة على كل الأصعدة المحليَّة، لجهة تحقيق الأهداف المشتركة في كل مجالات العمل الإنساني والتنموي سيَّما الكوارث والحروب والمجاعات والثالوث القاتل الفقر والجهل والأميِّة. ويُمثِّل التطوع قمَّة العطاء الإنساني خاصَّة وأنَّه مبادرة لتقديم الخدمات وإسداء نفع اجتماعي واقتصادي لمصلحة الآخرين دون مُقابلٍ مادَّيٍّ أو عيني، بجانب تفاوت مؤسسات التطوُّع بين التقليديَّة القائمة على تبادل الخدمات والاستجابة لحاجات المجتمع في أوقات الشِّدَّةِ والمؤسَّسَة القائمة على التخطيط والتنفيذ والمُتابعة والتنسيق والتمويل المُتمثِّلة في منظمات المُجتمَع المدني، فضلاً عن عدم تقيُّدِه بزمانٍ أو مكان أو بمجتمع أو دين دون الآخر طالما هدفه الأساس إنساني بحت، وبذلك يصبح التطوُّع في منظومة الفكر المادِّي على طرف نقيض لمفهوم الواجب. ولا شك أنَّ مُجمل ولايات السودان في أمَسّ الحاجة لتكثيف العمل الطوعي الفاعل تعاوناً مع الجهات المعنيَّة في ظِل الظروف السياسية والإنسانيَّة بالغة الدِّقَّة التي تمُر بها البلاد حالياً، خاصَّة ولاية النيل الأزرق التي ما زالت تُعاني من تداعيات الحرب التي شهدتها خلال السنوات الماضية، وأفضت للحال الماثل الذي يستدعي الحاجة المُلحَّة لتفعيل العمل الطوعي ومَنهجَة عمل منظمات المجتمع المدني في الولاية، سيَّما بعد القصور البائن للولاية ومواردها عن تلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين،رغم الجهود التي بُذِلت في الخصوص وأفضت لمعالجات واسعة لعدد كبير من الحالات التي تتطلب تسريع الإعانة والدعم، بيد أن ذلك لم يُلبِ كل احتياجات المواطنين المتأثرين بالحرب، الأمر الذي يتطلب توسيع المجال أمام منظمات المجتمع المدني لتصبح شريكاً في عملية التنمية للاستفادة من مواردها البشرية والمادية ومن الخبرات التي تكتنزها من خلال توفير الخدمات، والمساهمة في العملية التنموية من خلال تقوية وتمكين المجتمعات المحلية، لجهة بناء القدرات وتنمية المهارات والتدريب بمختلف المجالات التنموية وتوسيع المشاركة الشعبية، والمساهمة في رسم السياسات والخطط العامة على المستويين الوطني والمحلي، مما يتطلب إصدار القوانين التي تكفل هذا الحق وآليات تنفيذه للمساهمة في تحقيق التنمية، إضافة إلى التشريعات ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية والتصدي للانتهاكات التي تطول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات والأفراد للضغط والمدافعة وكسب التأييد من أجل الاعتراف بحقوق المواطنين وتأمينها، ولإنفاذ ذلك يستخدم المجتمع المدني الأدوات المتاحة والمعترف بها دولياً من قبل كل الحكومات بما في ذلك العهود والاتفاقيات الدولية التي تكفل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إضافة إلى الحق في التنمية وحقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرها. وقد نصَّ إعلان الألفية الإنمائية الثالثة المُوقّع عام «2000م» على وجوب تحرير المواطنين من الخوف تأكيداً على الحق في العيش بسلام، وتحريرهم من العَوَز بتأمين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وحقهم في العيش بكرامة وبضمان حقوقهم السياسية والمدنية والثقافية. وأطلق الإعلان ثمانية أهداف، عُرِفَت بالأهداف الألفية للتنمية، وربط الانتصار بتحقيق الأمن والسلام الدوليين والديمقراطية في الحكم عالمياً ووطنياً، وتضمنت الأهداف السبعة الأولى من الإعلان أهميَّة تخفيض عدد الفقراء والجياع، وتوفير التعليم للجميع وإزالة التمييز بحق المرأة وتوفير الرعاية الصحية للأم والطفل ومكافحة الأمراض الوبائية والمنتشرة، ومعالجة التحديات البيئية. وكي يقوم المجتمع المدني على المستوى الوطني بدور فاعل في المشاركة في تحقيق التنمية من خلال الانخراط في رسم سياساتها والمساهمة في تنفيذها حيث يواجه تحديات موضوعية وتتمثل في الإطار القانوني الذي ينظم عمل مختلف هيئات المجتمع المدني والآليات التي تضمن مشاركته الفاعلة والمؤثرة في صنع القرارات وبالفعل تم إقرار قانون 2013م لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية، بجانب المستويات المركزية ودور السلطات المحلية، وتعاطيها معه، بما في ذلك الشفافية في الحصول على المعلومات اللازمة والحق في الاطلاع، والقدرة على المحاسبة والمساءلة، وكذلك وجود فجوات قانونية نتيجة التحول من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي، وبطء البرلمان في تشريع القوانين وتعديلها، إضافة لعدم الوصول إلى قناعة بأهمية مشاركة المجتمع المدني في صناعة القرار، والنظر لها على أنها بديل للسلطات التنفيذية والتشريعية وهي نظرة خاطئة لأنها ليست جزءاً من الحكومة أو البرلمان أو مجالس المحافظات، بل هي جزء من تكوين الدولة من خلال انتمائها للشعب الذي هو مصدر السلطات، وبالتالي من حقه ممارسة الدور الرقابي والتنموي وبدون مقابل مادي وكعمل تطوعي. زد على ذلك تحديات ذاتية تتمثل في معدلات التنمية والتمكين والموارد المتاحة والقدرات الذاتية والقدرة على صياغة الرؤية ووضع الإستراتيجيات وبرامج العمل، بجانب آليات الحكم الرشيد داخل منظمات المجتمع المدني كالشفافية والمساءلة والمحاسبة والمشاركة وتداول السلطة والتنسيق والتعاون وبناء التحالفات، ولتتمكن منظمات المجتمع المدني من القيام بدورها كشريك فاعل وقوي في عملية التنمية والاستمرار في بناء وتنمية القدرات الشبابية والنسوية خصوصا، لا بُدَّ من توفير الأموال والرعاية والدعم من الموازنة العامة للدولة لبرامج منظمات المجتمع المدني، وتشجيع المانحين على ذلك، وفق ضوابط مالية وعدالة في التوزيع. وعلى الدولة والجهات المُختصَّة أنْ تعي أنّ تنوَّع منظمات المجتمع المدني من حيث الخبرة والاختصاص يشكل مصدرا غِنيا يؤدي إلى تكامل الأدوار، مما يُلزمها بتفعيل آليات التنسيق والتعاون بين الجهات الرسمية والقطاع الخاص ومختلف مكونات المجتمع المدني، خاصَّة وأنَ التنمية تحتاج إلى رؤية تنموية شاملة وإستراتيجيات وطنية وقطاعية وآليات للتدخل على المستويين الوطني والمحلي، وتكون مرجعيتها الأساسية الدولة كناظم وحامٍ لحقوق المواطنين، ومن غير هذا التعاون لا تكتمل العملية التنموية ويَصعُب أن يكتب لها النجاح. وبتقييم شامل لعمل منظمات المجتمع المدني خلال الفترة الماضية نجد أنها قد حققت نجاحاً نسبياً بجانب العديد من الإنجازات المهمة والمفصلية في البناء الديمقراطي، اعتبرها المُراقبون بداية فاعلة لترسيخ الديمقراطية ومبادئ الحكم الرشيد، وعلى المنظمات عبر احتفاليتها اليوم أن تعمل على تقييم نفسها ذاتياً لترتيب أولوياتها بين فترة وأخرى وتطوير أدواتها وأساليبها لتطوير وتنمية قدراتها لمواجهة وإنجاز ما ينتظرها من أعمال غاية في الأهميَّة، سيَّما وأن البلاد في طريقها لتوقيع العديد من اتفاقيات السلام خلال الفترة القادمة.