ندى محمد أحمد: عندما طرح رئيس الجمهورية خطاب الوثبة في نهاية يناير الماضي ضجت الساحة السياسية ما بين رافض للدعوة وموافق عليها، ومضت وتيرة الحوار بطيئة كيفما اتفق، إلى أن هبط اعتقال رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي في مايو الفائت كالصاعقة التي جعلت المشهد السياسي كالمرجل، وبينما لا يزال سؤال الاعتقال في الأذهان طرأ طارئ لم يكن في الحسبان، وهو قانون الانتخابات 2008، الذي عرض على مجلس الوزراء في اليومين الماضيين ليجيز عدداً من التعديلات المهمة، ليثير حالة من الفوران السياسي، فأحزاب تحالف قوى الإجماع الوطني رفضت التعديل وجددت بقوة موقفها القاضي بمقاطعة الانتخابات، أما الحزب الشيوعي فقد أعلن وفقاً للزميلة «آخر لحظة» أن التعديلات التي أجريت على قانون الانتخابات تعني عدم رغبة المؤتمر الوطني في إدارة حوار مع الأحزاب، وقال القيادي بالحزب يوسف حسين إن «هبش» القانون ممارسة صريحة لدور الوصاية على الناس من جانب الحكومة، ووصف ما تم بمثابة دق الوتد قبل استجلاب الحمار. وأبدى حسين استغرابه استعجال الحكومة إجراء تعديلات دون انتظار ما يسفر عنه الحوار الوطني، وجدد تمسك حزبه بإقامة حكومة انتقالية تنجز برنامجاً وطنياً يليه الحديث عن الانتخابات. وقال إنه من ناحية توقيت زمني فإن التعديلات استباق للحوار، أما حزب حركة الإصلاح التي علقت مشاركتها في الحوار، فقد صرحت على لسان القيادي أسامة توفيق في حديث منشور أنهم دفنوا الحوار وشالوا عليه الفاتحة، في ظل هذه الأجواء الغائمة لا يزال الحزب الحاكم يبشر بالحوار، ومن ذلك المنتدى الإعلامي الذي نظمته أمانة المرأة بالمؤتمر الوطني بعنوان «الأدوار .. التحديات .. الرؤى المستقبلية»، شاركت فيه عدد من نساء الاحزاب السياسية، مديرة اللقاء مسؤولة أمانة المرأة بالحزب انتصار ابو ناجمة والتي أكدت على التزام الحزب بالحوار، وان يكون الولاء للوطن اعلى من اي شيء اخر، برنامج المنتدى جرى ترتيبه على ان يستمع نائب رئيس الحزب ابراهيم غندور لنساء الاحزاب عن الحوار ثم يقدم كلمته، لكن البرنامج استبدل على ان يلقي غندور كلمته ويغادر لارتباطه بلقاء مع رئيس الجمهورية عن الحوار، غندور بدأ حديثه بسرد قصة الحوار بقوله ان فكرة الحوار بدأت في هذه القاعة «المكتب القيادي بالمركز العام» في يوليو من العام الماضي، حيث تم تكوين لجنة للحوار والإصلاح السياسي في البلد، لوضع خارطة طريق للبلاد لمواجهة الاستهداف الخارجي، والأزمات الداخلية المتمثلة في الإشكال الاقتصادي الذي أخذ برقاب الناس «الغلاء»، ودراسة هذه الأزمات تتطلب تشكيل لجنة تفرعت منها إحدى عشرة لجنة، ضمت «006» من الخبراء والأكاديميين، للنظر في الاصلاح السياسي بالبلاد، وإصلاح الحزب، موارده وقياداته وشوراه وانتخاب القيادات وتأهيلها بالتدريب، وثالثاً إصلاح الجهاذ التنفيذي، وتم تكوين أربع لجان برئاسة مساعدي الرئيس موسى محمد أحمد، وجلال الدقير، وعبد الرحمن الصادق المهدي، ولجنة عليا برئاسة النائب الأول بكري حسن صالح، وما ينتج عن لجان الإصلاح التنفيذي سيذهب للوزارات المعنية، أما الإصلاح السياسي فقدانطلق بخطاب الوثبة يناير الفائت، والخطاب عبارة عن مقدمة وثيقة الاصلاح، والحوار كما طرح في الوثيقة يجب ان يكون شفافاً وواضحاً، وهو ليس قصراً على القوى السياسية انما لكل قوى المجتمع، ويسترسل غندور مشيراً الى ان الحوار بدأ حزبياً محض، ولكنه عقب خطاب الوثبة قرر الحزب أن يوكل للدولة، فتحولت المبادرة للرئيس ومن ثم لرئاسة الجمهورية، والفترة من يناير الى ابريل التقينا بأكثر من«85» حزباً بشأن الحوار، وقال في إشارة للبعثيين والشيوعي، هناك قوى قررت عدم الحوار حول فكرة الحوار، وفي معرض حديثه عن الاحزاب التي اشترطت تشكيل حكومة انتقالية للمشاركة في الحوار، تساءل عن فيم الحوار اذا قبلنا هذا الطرح؟، وحول توقف عجلة الحوار أوضح غندور انه تأخر لان المطلوب ان يقف الحوار على أرضية قوية، وهذا استدعى لقاء كل حزب على حدة، وهذا استغرق شهري ابريل ومارس، اما السبب الثاني فتعلق بتأخر الاحزاب التي قبلت بالحوار في تسمية أعضائها السبعة في آلية «7+7» ونجحت في ذلك في العاشر من مايو، ثم جاءت مشكلة الصادق المهدي، وأفاد غندور انه يتوقع ان يدعو الرئيس للقاء القوى السياسية في اليومين القادمين، ودعا لاستمرار الحوار بين نساء قوى الاحزاب ليخرجن بوثيقة جاهزة تدفع لمادة الحوار، وتطرق للتعديلات التي أجراها مجلس الوزراء على قانون الانتخابات بقوله: هناك من حاول الربط بين الحوار والتعديلات، مستدركاً ان التعديلات تلك جاءت كمطلب للقوى السياسية عبر ورش عقدتها مفوضية الانتخابات مع الاحزاب في اكتوبر 2012، وهي تعديلات لصالح القوى السياسية الصاعدة خصماً على القوى الكبيرة، والتعديلات جاءت لتؤكد أن الانتخابات استحقاق دستوري وهي لا تعني إغلاق باب الحوار، ومتى ما وصل الحوار الى تفاهمات فهي التي ستسود على أي أمر آخر، وبدا غندور وكأنه متأرجح بين اليقين بالحوار والشك فيه، إذ قال إن الحوار إن بدأ وسيبدأ، وإن مضى وسيمضي، لينتهي الى وفاق يؤدي الى انتخابات، وحتى ولو تم التوافق على حكومة انتقالية، حتماً ستكون هناك انتخابات، وتعجب ممن يقول إنه لن يشارك في الانتخابات الا اذا كانت في ظل نظام ديمقراطي، بقوله من أين سيأتي هذا النظام دون انتخابات؟. مريم تكس رئيسة لجنة حقوق المرأة والطفل بمفوضية حقوق الإنسان قالت إن الحوار ضرورة مرحلة لحلحلة الإشكالات الإقليمية والدولية، وقالت إن الاعلام ركز على المحاور الاربعة في خطاب الوثبة وتجاهل المفاهيم الاساسية التي استندت اليها، وهي التعويل على كريم المعتقدات السودانية وهذه تعني المواطنة، وانتقدت غياب المرأة عن قضية الحوار منذ بدئها في الوطني والى خروجها للعلن، وتطرقت لما أسمته الوضع المزري للمرأة في مناطق الحرب، وقالت لابد من الانتقال بالمرأة من كونها ضحية الى مبادرة وفاعلة، بدورها أوضحت أمينة المرأة بالمؤتمر الشعبي، أن الحوار بالنسبة لهم مفهوم عقدي ينطلق من التعامل مع الآخر يقوم على الحوار، وأضافت قدمنا للحوار برؤية ثاقبة لبناء السودان على نظام المواطنة والحريات والعدالة الاجتماعية. أما الحضور الذي لم يكن متوقعاً، كان بمشاركة القيادي بالوطني دكتور محمد مختار الذي أجاب على سؤال «الإنتباهة» عن لِم طرح التعديلات على قانون الانتخابات في هذا الظرف والحوار لم يشب عن الطوق بعد، ما زاد طين الشكوك بلة؟، أجاب بحديث مفصل مفاده ان التعديل مرده تدارك ان انتهاء الأجل الدستوري لمؤسسات الدولة في ابريل القادم لتلافي اشكال الفراغ الدستوري، حال لم يفض الحوار الى اتفاق، كما قدم تفصيلاً مهماً عن التعديل الذي تم في القانون. على كل يبقى أن تعديل قانون الانتخابات وضع على المؤتمر الوطني عبئاً إضافياً ليثبت صدقه في عملية الحوار التي لا تزال محلك سر، وكما انه يسعى لتلافي الفراغ الدستوري عليه ان يدفع بجد لتقديم ما يقنع المعارضة بأنه ماض بصدق وعزيمة في الحوار.