تابعنا في بعض الوسائل قبل فترة أن حكومة مصر كانت تدعو المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس جمهورية السودان لزيارتها، ولكن لم يقم البشير بهذه الزيارة لتقديراته وحساباته، فكانت الزيارة المعاكسة من المشير عبد الفتاح السيسي للخرطوم مفاجئة بعكس المتوقع من المراقبين لشؤون دول حوض النيل. وذكر السفير المصري أسامة شلتوت أن الزيارة كانت للاطمئنان إلى صحة الرئيس السوداني عمر البشير وتهنئته بنجاح العملية الجراحية، وهو ما أكده في تصريح آخر السفير السوداني عبد المحمود عبد الحليم وكيل وزارة الخارجية السودانية بالإنابة، مما يعني ألا مجال لإغلاق الباب أمام الضيف، أو إرسال مسؤول على مستوى أدنى للقائه! ثم أضاف السفير المصري بالخرطوم أن الزيارة كانت فرصة لشرح خريطة الطريق لمستقبل مصر ودعم العلاقات الثنائية والتطرق لملف سد النهضة الإثيوبي. إذن، فواجب على المشير عمر البشير أن يقابل نظيره المصري رغم إصدار مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بياناً في 6 يوليو 2013م رافضاً فيه الانقلاب على الشرعية في مصر، والذي أعقبه بحث مفوضية الاتحاد الإفريقي عن إقامة منتدى تشاوري دولي يدعم العملية الانتقالية التي تعيد النظام الدستوري والديمقراطية إلى مصر، ثم استند إلى إعلان لومي 2000م، والميثاق الإفريقي للديمقراطية 2007م، فقامت الخارجية المصرية بإرسال خطاب إلى مفوضية الاتحاد الإفريقي تؤكد فيه شديد أسفها لعجز المجلس عن إدراك ما سمته بحقيقة الثورة الشعبية، وقال الناطق باسم الخارجية المصرية وقتها إنه يرفض القرار شكلاً وموضوعاً. ويجدر بالذكر أن المشير عمر البشير مع ذلك لم يغلق الباب أمام التفاوض مع الحكومة المصرية الجديدة، نظراً للملفات الساخنة التي تهم شعبي البلدين بغض النظر عمن يحكمهما، مثل الحريات الأربع وحلايب والتداخل العرقي في منطقة النوبة التي بدأت تتململ، وملفات تهريب السلاح والبشر، وأمن البحر الأحمر وهو الملف المشترك مع السعودية كذلك. ورغم الرفض الواسع ظاهرياً وباطنياً لزيارة المشير عبد الفتاح السيسي، إلا أنه رفض غير مبرر من الإسلاميين، فالحركة الإسلامية لم ولن تقابل المشير السيسي، وبالطبع لن تفعل ذلك جماعة الإخوان المسلمون في السودان. أما بخصوص حزب المؤتمر الوطني، فإن السيسي لا يمثل حزباً حتى يكون هناك لقاء معه على المستوى الحزبي، فالبشير قابل السيسي بصفته التي يختلف العالم حول شرعيتها، كرئيس لجمهورية مصر الشقيقة والحبيبة. ولا ولم يقابله كرئيس لحزب المؤتمر الوطني بكل تأكيد. وهذا يستدعي منا النظر في تقديم رؤساء الأحزاب كمرشحين لرئاسة الجمهورية، حيث إن أجندة الأحزاب ومنطلقاتها الفكرية والآيديولوجية، قد تختلف في بعض المواقف الدبلوماسية عن الاستحقاقات البراغماتية لرئاسة الجمهورية، ولذلك كانت كثير من الدول الغربية سباقة في الفصل بين المناصب، حتى يمارس كل كيان مسؤولياته بحرية وبواقعية دون تضارب وسوء فهم من أي طرف. ونحن كما لا ننكر على جماعة «سائحون» وغيرهم وقفتهم الاحتجاجية الشرعية ضد زيارة السيسي، فكذلك لا ننكر على البشير ووزير خارجيته ومدير جهاز الأمن ضرورة مقابلة السيسي، ولو من باب إكرام الضيف، وإن كان غير مسلم!! بل ويجب أن ترد الزيارة بأكرم منها إن رأت قيادتنا أن في ذلك مصلحة الشعبين والدولتين، دون وضع اعتبار لمن يحكم مصر والسودان مؤقتاً. ولو كانت وقفة «سائحون» حاملة لخريطة السودان، فلربما خرجت معهم أعداد أكبر من السودانيين، ولربما خرج البعثيون والشيوعيون واليساريون الليبراليون أنفسهم في الوقفة، وإن كانوا لا يخرجون أو يتحمسون إلا في ما فيه كيد على الحكومة كعادتهم، رغبة في الجلوس مكان الحزب الحاكم محمولين على رقاب المواطنين. فما نعيبه على مجاهدي «سائحون» وجماعة الإخوان المسلمين وغيرهم ممن رفض الزيارة وقام بتلك الوقفة الاحتجاجية الكريمة، أن اللافتات المرفوعة كانت تحمل شعار رابعة العدوية، بدلاً من أن يحملوا خريطة السودان ومصر، وفيها توضيح حدود حلايب السودانية. أما ما تناقلته وسائل الإعلام السودانية عن ذكر السيسي أن السودان جزء من مصر، فهذا مرفوض إن كان يقصد ذلك بمفهوم قناة الفراعين!! بل وجب طرده ولو من المطار إن كان قد قالها بهذه النية. ولكن لعدم خبرة السيسي في العمل السياسي والدبلوماسي، ولقدراته الضعيفة أمام الإعلام كما تابعناه في الفترة الماضية، فإننا نحسن الظن في قوله وفي تصريحه، «ونحسبه يقصد أن السودان جزء من مصر كالقلب والعقل بالنسبة للجسد مثلاً».. الذي إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. علماً بأن صحيفة «الجمهورية» المصرية ذكرت التصريح بصيغة أخرى غير دقيقة، وهي أن السيسي قال إن مصر تعتبر السودان عمقها الإستراتيجي. وفي كل الأحوال، فشعبنا يريد علاقة استراتيجية مع شعب نشاركه الدين واللغة والمياه التي نشرب، بل هذه دعوة لتكوين حلف دولي أشبه بالتكامل، ودعوة لأن يكون التحالف مع مصر والسعودية والإمارات، أقوى من التحالف مع الصين وماليزيا وتركيا. أخيراً، فإن موافقة السودان على استقبال المشير السيسي، هي رسالة كذلك للجارة الحميمة إثيوبيا، أننا لن نراهن عليكم بصورة مطلقة، ولكننا مع مصلحة السودان بدايةً أينما اتكأت هذه المصلحة، فإن كانت المصلحة في تفعيل الحريات الأربع مع مصر نفذناها كاملة، وإن كانت مصلحة السودان في كونفدرالية مع مصر ذهبنا إليها، وإن كانت في كونفدرالية ثلاثية مع جنوب السودان وإثيوبيا «دون مصر» لن نمانع، ولكل زمان تقديراته.