السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد لقد اهتزت كل القيم بالبلاد، وآخر ما كنت أتوقعه أن تتبدل قيم القائمين بأمر التربية والتعليم، يطالعنا الإعلام بمجانية التعليم وعدم فرض الرسوم وعدم طرد التلاميذ لأي سبب، ولكن الواقع المعيش يؤكِّدُ غير ذلك، لقد تنوعت أساليب فرض الرسوم والجبايات بالمدارس، برغم أنف قرارات الدولة وقرارات الوزارة.. على زمان الإدارة الأهلية، كان شيخ قرية من القرى عندما يُكَلَّف بتقدير المحاصيل لتحصيل العشور يقول للمزارع: «أنا حالف اسم الله، لكن خُرجي داك ما حالف» إشارة لوضع «الرشوة» بالخرج..!! والآن.. بعض مديري المدارس الحكومية يقولون لمجلس الآباء: «الوزارة منعت فرض الرسوم على التلاميذ.. لكن أنتم، كمجلس آباء، يمكنكم فرض الرسوم لأنكم جزء من الآباء»!!.. من الأساليب المستحدثة في الجبايات المدرسية «رسوم الامتحانات الشهرية» وامتحان الفترة، وامتحان نهاية العام، التي تبعث بها المحليات أو الوزارة وتفرض رسوماً عليها تصل في بعض المدارس إلى عشرة جنيهات لكل تلميذ، لا يُستثنَى منها تلميذ، علماً بأن بعض الأُسر تعجز عن توفير مصاريف الفطور لأبنائها.. يأتي المُدير كل صباح، ويُصَفُّ له الذين لم يدفعُوا ليُعَنِّفهم ويُهدِّدَهُم بالطرد أو الجلد «والبعض يفعلُ ذلك» !!.. ما الأثر النفسي لمثل هذا على أبناء الفقراء؟؟ هذا حاج أحمد يأتي حاملاً «طوريته» لتشهد على مهنته، ليحلف «كم يوم لم يجد عملاً»، وأبناؤه باتوا البارحة بدون عشاء.. وهذه حاجة بتول بائعة الكسرة تتوسل ليخفضوا لها المبلغ أويُعفَى أحدُ أبنائها الثلاثة أوالأربعة وهُم أيتام.. يأتي الرد من المدير أن المكتب قرر عدم الإعفاء أوالتخفيض لأحد، ولقد لحقت بمشروع جباية رسوم الامتحانات فكرةٌ أُخرى: «حصص التركيز»، يفرض معلم أو معلمة المادة مبلغاً مقابل المراجعة للتلاميذ أوالتلميذات، ويُحرمُ من لم يسدد الرسوم من حضور هذه المراجعة.. تخيل الأثر النفسي لتلميذة ترى زميلاتها داخل الفصل يُراجَعُ لهُن وهي تُطالعُ من النافذة!!! دعُونا نطرحُ حزمةً من الأسئلة: لماذا يكونُ الامتحان من الوزارة أو المحلية؟ هل المعلم عاجز عن وضع الامتحانات؟؟ «نتحدث عن الامتحانات الشهرية أوامتحانات الفترة أوامتحانات النقل من صف إلى الذي يليه»، وإذا لم يكن بُدٌّ من ذلك، لماذا لا تبعث المحلية بنسخة واحدة وإدارة المدرسة تقوم بتصويرها بعدد التلاميذ وتطالبهم بتكلفة التصوير فقط، علماً بأن بعض المدارس بها آلة تصوير؟ هل استطلعت المحليات آراء المعلمين في هذه الامتحانات؟ «لا أُريدُ أن أتحدث عن مستوى الامتحانات والأخطاء الفنية والمنهجية بها». لقد ألغت بعض الدول الامتحانات حتى للانتقال من مرحلة إلى أخرى، وهذه المملكة العربية السعودية استبدلت نظام الامتحانات بنظام التقويم المستمر حتى الدخول للجامعات، بينما نحنُ نُوسِّعُ ونُعمِّقُ فكرة الامتحانات ومركزيتها!! والله لا أرى في هذا الأمر إلا مشروع استثمار وتحسين أوضاع القائمين بأمره وتوزيع غنائم.. فإن كان الأمر غير ذلك فوافونا يا وزارة التربية بالرد عبر هذا العمود. يكفي المواطن ما هو فيه من هموم، وهؤلاء الأطفال الذين ترونهم عند إشارات المرور يمسحون زجاج السيارات أو يبيعون المناديل ما هُم إلا ضحايا هذه الجبايات، إنهم في ذمتكم. محمد يوسف محجوب مؤلف كُتُب النشاط للحلقة الأولى 0915802985