أتشرف بمنح مساحة «وحي القلم» اليوم لما كتبه الأخ الكريم محمد آدم عربي المدير العام للساحة الخضراء، وذلك بمناسبة الدعوة الكريمة المقدمة من آل الإمام لحضور الإفطار المقام بمنزل الراحل الشيخ يسن عمر الإمام بالثورة الحارة الأولى في يوم الجمعة 13 رمضان الموافق 11 يوليو 2014م. وذلك في ذكرى مرور عام على رحيله.. وفيما يلي ما كتبه الأخ الكريم محمد آدم عربي: ها قد مر عام على رحيلك وترجلت عن فرسك الجامح، نعم كنت من المميزين ذلك أنكم سبقتم حيث تأخر الناس وصبرتم وأنفقتم إنفاق من لا يخشى الفقر في سبيل الله والوطن حين أمسك الناس، وجدتم بفلذة كبدكم في سبيل الله والوطن، حين بخل الناس، وثبتم كثبات الجبال الراسيات حين تزحزح الناس، تماسكتم بصلابة في وجه كل الطواغيت غير هيابين فوق الأحن والمحن بل في وجه جميع الأعراض والظواهر فتعرضتم للمخاطر، طيلة مسيرة الحركة الإسلامية في نصف قرن. إن المحنة الطويلة التي تعرضتم لها كانت أهوالاً ومشاق، ومحاربة في الأرزاق ومطاردة وسجوناً وتعذيباً، كل ذلك كان حافزاً لكم ودافعاً لمزيد من الإصرار والتمسك بالقيم والمبادئ التي آمنتم بها وانحزتم لها. أنتم القاعدة الصلبة، بل أنتم منصات صواريخ الحركة، أنتم الخلّص صهرتكم المحن، صبرتم ولم تنكسروا بل زدتم عناداً في الحق، لم تتزحزحوا قيد أنملة، إنها التربية الإيمانية العميقة التي تورث الصلابة والقوة والعزيمة التي لا تلين. إن طاقة الشباب المتوهجة المتدافعة وإنشادهم «في مسك ختامي انصحكم ورياح الجنة تلفحكم ويمين الخالق تمسحكم لا تخشوا وخز الأشواك» كانت من مصادركم، والمشاهد الرائعة الباهرة لشباب الحركة وهم يتقدمون الصفوف في الملاحم ينشدون «على حفافيه يا أماه مرقدنا ومن جماجمنا ترسى زواياه»، وقول حواريكم في أرض الجنوب الإستوائية «أما لو أبصرتنا في معمع والقصف يرعد والدخان مثار الهام تصرخ والحديد مزمجر والموت فوق رؤوسنا دوار.. لرأيت من حولي يرابط إخوة ما يمموا هرباً ولم ينهاروا إخوان صدق عندما احتدم الوغى. لحمى العقيدة والشريعة ثاروا». هؤلاء من أفكارهم تزودوا وساروا منهم سائحون ساحوا. رضوان يسأل من أنا، وبقية النزال هم تلاميذكم .. ونتاج زرعكم الذي استوى على سوقه فأعجب الزراع وغاظ الكفار بنيتم عزاً للحركة وأرسيتم قيماً للعمل السياسي ما كان يعرفها الناس من قبل. إن الفكرة سلاح فتاك تفوق قوتها أحياناً الصواريخ المدمرة والعدة والعتاد، هي نصاعة الفكر وسلاسة الكلمة، والجرأة على الحق، وهذه لا تتأتى إلا لذي العزيمة والإصرار. كان قلمكم الدفاق الذي يهابه الكبار لما فيه من فكر ثاقب بصيرة نافذة ممزوجة بالحكمة والشجاعة والوقار، لا مهاتراً ولا بذيئاً ولا ختالاً. هكذا سهمكم في الصحافة السودانية أرسيتم قيماً عالية سامية رفيعة في عالم الصحافة، تبنته ثلة من الصحافيين هم أبناء مدرستكم الجليلة. أي باب آخر من أبواب الحياة السودانية العامرة أطرقه وليس فيه سهم أتحدث في الرياضة وكيف كنتم سنداً لها تشجيعاً ومؤازرة، أم الفن الأم درماني الراقي الذي يدعو للقيم وفضائل الأعمال فقد كان جزءاً من اهتمامكم، أم أتطرق للتعليم الذي كنتم من رواده تدريساً وإدارة وتشييداً للصروح التعليمية، شهدت لكم مجالس أمناء الجامعات في اجتماعاتها وفي قراراتها وتوصياتها التي تصب في مصلحة الطلاب تحصيلاً ورفعة. أذكر يومها وأنت تقول عن الموت الزؤام، وحشرجت الروح، والتفاف الساق بالساق وذهاب سواد العين وهماد الجسد، والحزن والصبر الجميل مترادفات تنسي المرء حلاوة الدنيا وطلاوتها ونعيمها. ومن أقوالك التي كُتبت بماء الذهب نسوقها الآن «أنا أقول إن الخوف من غير الله شرك به لأنك إذا كنت مؤمناً بأن الله يحيي ويميت... لماذا تخاف الموت.. وإذا كنت مقتنعاً أن الله هو الذي يغني ويفقر فلماذا تخاف الفقر.. لقد تعلمنا من أبنائنا العسكريين «البيان بالعمل» وحقيقة أقول لكم وأقسم أنني كنت أمشي بين الناس في حياء لأنني أرى الناس يذهبون ويجاهدون ويستشهدون وأنا أجلس وأولادي ليس فيهم شهيد، وهناك أسر قدمت أكثر من شهيد.. اليوم صراحة أمشي بين الناس ورأسي مرفوعة لأن ابني الصغير رفع رأسي، وأسأل الله صادقاً أن أسبق أبنائي الآخرين للشهادة». كنتم ظاهرة في مناطق الإدراك البشري، كنتم حزمة واحدة أبت أن تتكسر حزمة في الثبات، وحزمة واحدة في الشعور بالعلو والرفعة وليس الزهو الذي فيه حظ النفس الأمارة بالسوء إنكم نسخة واحدة لا تتكرر أن مقاعدكم شاغرة لأنها لا تملأ إلا بكم، لان فيكم شموخ الجبال وهامات النخيل الباهرات.. فإلى جنات الخلد الشيخ يس عمر الإمام.