شكلت أزمة دارفور في العام 2003م فارقاً في العلاقات بين السودان وليبيا، ومع ازدياد الضغوط على الحكومة وفشل مساعي السلام المتعددة واستمرار نزيف الحرب في دارفور، بدأ النظام يشير بأصابع الاتهام إلى نظام القذافي في تأجيج أوار الحرب الأهلية، بدعمه لجماعات المعارضة المسلحة في الإقليم إلا أن كل هذه الاتهامات لم تكن تعلن بشكل صريح حتى بعد غزو أم درمان من قبل حركة العدل والمساواة في مايو 2008م وآثرت الحكومةالصمت على الرغم من علمها بدعم القذافي لتشاد في حربها مع السودان وكذلك دعمه لحركات التمرد المسلح في دارفور، إلا أن السودان لم يكن في وسعه أن يفصح بشكل علني عن هذا الواقع المرير لذلك فإن الخرطوم قد تكون حققت مكاسب عدة من ثورة ليبيا وهو ما دفعها إلى دعم الثوار بالسلاح والجنود، لأن نظام القذافي كان بالنسبة لها يضر أكثر مما ينفع كما يرى العديد من المحللين فظلت العلاقات الدبلوماسية الليبية مع السودان في حالة من الارتباك كشأنها مع كثير من الدول الأفريقية التي لديها امتدادات قبلية جذورها في ليبيا وفروعها تعبر الحدود إلى مصر وتشاد، حيث شكلت الحركات المسلحة كحركة العدل والمساواة علاقة قوية بليبيا، بينما لم يؤيد القذافي خروج الملف من بين يديه واحتفظ بتأييده المبطن بالرفض، عندما نُقل ملف دارفور إلى الدوحة عبر تكليف من القمة العربية لم تثنِ العقيد القذافي عن استضافته خليل إبراهيم وفشلت كل الوساطات الدبلوماسية التي قام بها السودان إلى ليبيا واحتواء ليبيا للحركات الدارفورية وتواجد زعيم حركة العدل والمساواة هناك بعد طرده من تشاد. تصفية القيادات احتدمت الخلافات داخل فصيل العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، بسبب بروز تيار داخل الفصيل برئاسة نائب جبريل يعارض المشاركة في الصراع الدائر في ليبيا، وهو ما أدى إلى بدء موجة من التصفيات والتهديدات تجاه المعارضين، وبحسب ما ورد أمس في وسائل الاعلام فإن جبريل إبراهيم قام بتقديم شرح لقيادات الحركة حول دواعي المشاركة فى القتال الى جانب اللواء الليبي المنشق خليفة حفتر، مشيراً إلى أن الخطوة ستمكنهم من الحصول على الأموال والأسلحة وذلك لتعويض الخسائر التي تكبدها الفصيل خلال مشاركته في القتال الى جانب القوات الحكومية بدولة جنوب السودان، وقال جبريل إنه سيعمل على سحب ما تبقى من عناصر الفصيل من ولاية الوحدة بدولة جنوب السودان الى منطقة «الدار» بولاية جنوب كردفان في انتظار توفير غطاء بالأقمار الاصطناعية يسمح بتسلل عناصر الفصيل عبر دارفور الى داخل الأراضي الليبية دون الاشتباك مع القوات النظامية. وأكد المصدر أن القيادي أحمد آدم بخيت نائب رئيس الحركة وأمين إقليم دارفور عارض مسلك جبريل بالتورط في حروب جديدة بدول الجوار قائلاً : إنهم لم يحصلوا في القتال بالجنوب على المقابل الذي يساوي الثمن الذي دفعه الفصيل، مشيراً إلى أن بخيت تلّقى تهديدات بأن يلقى مصير القائد الميداني المدعو أبوقرجة عبد الله نور الدين الذي قُتل دهساً تحت إطارات السيارات بعد اتهامه بتحريض القادة الميدانيين بمقاومة محاولات إرسال قوات الفصيل الى ليبيا. حرب الوكالة من جانبه قال ضو البيت يوسف أحد القادة السابقين بالحركة ل«الإنتباهة»، إن رئيس الحركة ينفذ أجندة خارجية لا تلبي مطالب أهل دارفور وأوضح أن جبريل إبراهيم عند توليه قيادة الحركة، قام بإعفاء القائد العام لقوات الحركة، ولعل الخطر الأكبر الذي يحمله جبريل لحركته وللسودان هو التقارب غير الخفي بينه وبين ليبيا بحرب الوكالة التي يتبناها جبريل والضغط على أعضاء الحركة. وأجمع محللون على أن جبريل إبراهيم لديه تأثير على النازحين واللاجئين ولكن ليس لديه قوة عسكرية على الأرض على خلاف حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور التي تمتلك كادراً سياسياً متمرساً، وعن محللين سياسيين فإن ثمة مصالح عديدة ينطوي عليها ضغط واجبار جبريل وحض حركته للقتال بليبيا، ويرى مراقبون أن ليبيا هي العامل المجهول الذي لا يمكن التنبؤ به في هذه الأزمة، وبحسب ما اتسمت علاقاتها تاريخياً مع السودان بالتوتر، بسبب دعمها لحركة العدل والمساواة في غزوة ام درمان وذهب البعض ان ليبيا كانت تريد الثأر لنفسها من التجاهل الذي أبدته الخرطوم تجاهها في الآونة الأخيرة، و أن الغزو كان بمثابة التقاء مصالح بين حركة العدل والمساواة وليبيا ولم ينس جبريل تلك المواقف، خاصة وان تشاد اصبحت لها علاقة ممتازة مع السودان، اما دولة الجنوب فهي في طريقها ان تصبح كذلك، وليس هناك تبرير منطقي لجبريل في استمرار وامتداد علاقته بليبيا. حفتر يعود بالمرتزقة عودة المرتزقة تجلت في انعدام الرؤية الإنسانية للقذافي الذي هب لقمع ثورة الشعب في بلاده بتأجير مقاتلين أفارقة أضرموا النيران وأسالوا الدماء، أما الحكومة السودانية فقد أكدت أن من يسمونهم المرتزقة الأفارقة ينضم إليهم سودانيون من حركات دارفور المسلحة اشتركوا في حمام الدم بليبيا. وجاء على لسان الحكومة أن لديها أدلة على ضلوع بعض العناصر من حركات دارفور المتمردة في الأحداث الجارية بليبيا فى حديث المحلل السياسي عبدالله آدم خاطر ل«الإنتباهة»، بيد أنها لا تعرف ما إذا كانت الحركات موجودة أصلاً داخل الأراضي الليبية أم أنها دخلت عبر الحدود السودانية أثناء الأحداث ضمن استعانة القذافي بمرتزقة من دول أفريقية على المتظاهرين. في الوقت نفسه نفت حركة العدل والمساواة الخبر ولم تنفه بقية الحركات كما لم ينفه القذافي الذي قال إن الأفارقة أتوا ليحموا ملك ملوك أفريقيا. وسواءً صحت هذه المعلومات عن اشتراك مرتزقة من حركات دارفور أم لا فإن وجود السودانيين في ليبيا بات معرضاً للخطر مثلما حدث في مدينة الزاوية التي قتل فيها مئات الأفارقة بينهم عشرات السودانيين العام 2000 وأضاف خاطر لكن التهديد الأكبر يقع على وجود الحركات الدارفورية بمن فيهم زعيم حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم الذي بات وجوده في ليبيا رهيناً بتقلب الحكومات، كما أن علاقات الخرطوم مع طرابلس رهينة بمن يحكم ليبيا وتغير نظامه، موضحاً وبالرغم من تقلب اتجاهات السياسة الخارجية لليبيا إلا أن السودان قد سعى إلى الوقوف في محطات للتفاهم مع ليبيا درءاً لكثير من المشاكل وسداً للثغرات التي فرضها الجوار، خاصة مع إقليم ملتهب كإقليم دارفور، ولكن تقلب مزاج النظام السابق لم يترك موقفاً محدداً عندما تتطلب أعقد الأمور مزيداً من الإيضاح والتحديد كمؤيد ومعين في تحقيق نوع من السلام ويبدو أن حفتر قد يسير على النهج نفسه.