ومرة أخرى يخرج د. حسن الترابي معلناً ذات المواقف والآراء التي هي نتاج إنكار للأحاديث النبوية الثابتة عن خير البرية وأزكاها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فقد ورد في هذه الصحيفة في عدد يوم أمس الجمعة 20 رمضان 1435ه أن الترابي يقول إن حواء لم تخلق من ضلع آدم، وذكر الخبر في تفصيله موقفه من شهادة المرأة وأنها كشهادة الرجل وأن المرأة تؤم في الصلاة الرجال وأيضاً التعدد وغمز في الفقهاء كعادته التي يسير عليها بما كتبه عن علماء المسلمين في كتاب تجديد الفكر الإسلامي. ومن العجائب أن الصادق المهدي والدكتور الترابي منذ فترة وهما يتحدثان بتكرار في قضايا المرأة وينكران أحكاماً شرعية ثابتة بالكتاب والسنة وبعضها أجمع عليه المسلمون بأسلوب واحد!! وبطريقة تصريحات السياسيين أو الزعماء الذين يذكرون سطراً وسطرين وعبارة واحدة في شكل «تصريحات» تتناقل لا على طريقة الباحثين في القضايا الشرعية، ثم إن من يرجع إلى تأريخ كل فترة يتم فيها نشر مثل هذه التصريحات يجد كثيراً منها يرتبط بأحداث ويرتبط بأمور تجعل من المتوقع لديهما أو بما يتوقعه غيرهما لهما تغيّرات سياسية في بلادنا المكلومة الجريحة المسكينة.. فقضايا المرأة مما اهتم به الغرب فيما يدّعي حتى وصلت مؤتمراتهم نهايتها في اتفاقية سيداو التي صرّح الصادق المهدي بأنها تتوافق مع مقاصد الشريعة!! وقد نشرت كتاباً نشرت كثيراً من مباحثه بهذه الصحيفة نقدت فيه هذه الاتفاقية التي كانت خلاصتها تعميم نموذج حياة المرأة الغربية في كل العالم، وهو ما يتناقض مع دعاوى الغرب بحريات الدول والديانات ودعاوى الكذب والزور المسماة : حقوق الإنسان. وليس بغريب أن يظهر موافقة الغرب من هو متأثر بهم، يركن إليهم، ومن يريد جمهوراً وتأييداً حتى ولو كان الثمن لذلك ولغيره المجاهرة بإنكار نصوص الوحي من الكتاب والسنة وحتى لو كان الثمن ضرب إجماع المسلمين!! مع أن الأحكام الشرعية والمقاصد المرعية من يعلمها العلم الصحيح يجد أن النساء هن شقائق الرجال في الإسلام وأن المرأة كالرجل في التكليف والجزاء والثواب والعقاب وأن ما جاء من اختلاف في بعض الأحكام بينهما إنما مرده لاختلاف الخلقة والتكوين والوظائف والواجبات فهما كالليل والنهار تكمل بهما الحياة لكل واحد منهما مهمته ووظيفته. ومع أن القضايا التي ذكرها الترابي جميعاً في تصريح هذه الأيام سبق وأن رددت عليها ومع أن الكثيرين يعلمون مخالفتها للشرع، إلا أن بيان الحق وتوضيحه يوجب نشره ولو من باب التأكيد فأقول: فقد ورد في صحيحي البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاء. وفي رواية أخرى جاء قَالَ النَّبِىّ، عَلَيْهِ السَّلام: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِى جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا». هذا الثابت في السنة النبوية الصحيحة، وفي القرآن الكريم يقرأ المسلمون «وخلق منها زوجها ليسكن إليها» في وضوح تام يتضح به أن حواء خلقت من آدم عليه السلام فلم الإنكار من الدكتور الحقوقي خريج السربون؟! وفي سنن ابن ماجه وصححه الألباني عن أَبُي الْيَمَانِ الْمِصْرِيُّ ، قَالَ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلاَمِ، وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَالْمَاءَانِ جَمِيعًا وَاحِدٌ. قَالَ: لأَنَّ بَوْلَ الْغُلاَمِ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ ، وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، ثُمَّ قَالَ لِي: فَهِمْتَ؟ أَوْ قَالَ : لَقِنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ، خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ ضِلْعِهِ الْقَصِيرِ، فَصَارَ بَوْلُ الْغُلاَمِ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَصَارَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّمِ. قَالَ: قَالَ لِي: فَهِمْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: قَالَ لِي: نَفَعَكَ اللَّهُ به. وإن الحديث الذي أخبر فيه النبي عليه الصلاة والسلام بخلق المرأة من ضلع آدم جاء في سياق الوصية بالنساء خيراً، فلو نشر هذا المتحدث بالباطل هذه الفقرة وتأملها لعلم عظم التشريع الذي بين لنا هذه الأمور وعظيم حكمة الله الخالق البارئ سبحانه وتعالى. وأنتقي مما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري ما يلي: «قوله استوصوا قيل معناه تواصوا بهن والباء للتعدية والاستفعال بمعنى الأفعال كالاستجابة بمعنى الإجابة وقال الطيبي السين للطلب وهو للمبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن كمن يعود مريضاً فيستحب له أن يحثه على الوصية والوصية بالنساء آكد لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن وقيل معناه أقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن، قلت وهذا أوجه الأوجه في نظري وليس مخالفاً لما قال الطيبي قوله خلقت من ضلع بكسر المعجمة وفتح اللام ويجوز تسكينها.. ومعنى خلقت أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة وقال القرطبي يحتمل أن يكون معناه أن المرأة خلقت من مبلغ ضلع فهي كالضلع زاد في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم لن تستقيم لك على طريقة قوله وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها وفي استعمال أعوج استعمال لأفعل في العيوب وهو شاذ وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها أو الإشارة إلى أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله قوله فإن ذهبت تقيمه كسرته قيل هو ضرب مثل للطلاق أي أن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى فراقها ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم وأن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها». انتهى.