يحمد للرئيس المصري الراحل أنور السادات رغم أخطائه، أنه أعاد لجهاز المخابرات المصري دوره الحقيقي الذي تم استلابه في عهد الرئيس عبد الناصر، حيث تحول الجهاز إلى خلية أمنية تتغلغل في المجتمع المصري تعد عليه حركاته وسكانته، وتوسع في وسائل التجسس على القيادات السياسية والرموز الاجتماعية على اختلاف تخصصاتها، بل حتى الممثلات وقعن في قبضة الجهاز بإجبار بعضهن للعمل معه بعد أن يتم تسجيل شريط فيديو لسقطاتهن الأخلاقية مما يعرف بمصطلح الكنترول، وبالرغم من أن عبد الناصر حاكم بعض رموز جهاز المخابرات إزاء بعض التجاوزات لكن أبقى على سياسة التمدد الأخطبوطي للجهاز، التي تتصادم مع حريات المواطنين وكرامتهم فقد وصلت الكاميرات حتى إلى غرف النوم لمجرد الاشتباه أو لأغراض الضغوط، وحين جاء السادات ضمن المواطنون بأن تلك الحقبة انتهت، وقام كما أشرنا في مقال سابق بحرق الشرائط العديدة التي سجلها جهاز المخابرات على عدد من الأسر المصرية المحترمة، وعندما فكر في شن حرب على إسرائيل تم توزيع أدوار الأجهزة العسكرية المختلفة للقيام بدورها بحسب تخصصاتها، وعلى إثر ذلك تم تكليف جهاز المخابرات المصري بدور كبير وشبه مستحيل، وهو العثور على شفرة الدفاع الجوي الاسرائيلي، ويروي د . سمير محمود قديح باحث في الشؤون الامنية والاستراتيجية القصة الكاملة، لتمكن جهاز المخابرات المصري من انجاز هذه المهمة الصعبة ويقول: إلا أن رجال المخابرات كالعادة عقدوا اجتماعاً فورياً لبحث الطريقة المثلى للحصول على هذا السر الحربي الخطير، الذي سوف يكفل لنسور الطيران المصري التجول بحرية وتنفيذ المهام الخاصة بهم عندما تأتى ساعة الحسم، دون أن تستطيع أنظمة الدفاع الجوي الاسرائيلى اعتراضهم .. وكإجراء تقليدي راح الجميع يراجعون كل ما لديهم عن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي من ناحية أساليبه و أسلحته وقادته وجنوده.. وكل شيء ولكل نقطة من النقاط السابقة كانت هناك عشرات من الملفات والمعلومات التي جمعها الرجال في شهور عديدة؟، وبمنتهى الصبر راح الرجال يراجعون كل الملفات والمعلومات مهما بدت صغيرة، وبعد أسبوع كامل من المناقشات اتفق الجميع على أن الطريقة الوحيدة لمعرفة الشفرة المطلوبة، ستكون من خلال الرجل المسؤول عنها مباشرة ، الجنرال «ايزاك رابينوفيتش» وهو من اليهود الروس الذين كانوا أول من هاجر الى فلسطين قبل حرب 1948م وإعلان قيام دولة إسرائيل، وكان الرجل رغم بخله كان ينفق على لعب القمار وكان التحدي هو كيفية استغلال نقطة الضعف تلك، وكشفت التحريات الدقيقة ان الجنرال رابينوفيتش يحتفظ بنسخة من كل الوثائق السرية جداً في خزينة منيعة مخفية بمهارة داخل منزله، ولا أحد يعلم مكان تلك الخزينة حتى زوجته نفسها.. ولأن أية عملية اقتحام كانت مرفوضة تماماً نظراً لان الأسرار تفقد أهميتها إذا أدرك الخصم انك حصلت عليها، فقد كان من الضروري البحث عن وسيلة عبقرية للوصول الى منزل الجنرال والبحث عن الخزينة وفتحها والحصول على الوثائق دون ان يشعر الجنرال ان ذلك قد حدث !! وهنا جاءت الفكرة العبقرية واقترح الرجال ان ينفذ العملية شخص من داخل إسرائيل حتى يحوز ثقة الجنرال بسرعة وسهولة، ووقع اختيار الرجال على أحد عملاء الجهاز داخل إسرائيل وهو رجل أعمال إسرائيلي يدعى «دافيد باراهودا» وكان قد هاجر الى إسرائيل وكره تلك الحياة الاستبدادية داخلها، لتتلقفه يد المخابرات المصرية ليعمل لحسابها بمنتهى الإخلاص منذ أوائل العام 1970، وبدأت العملية في شتاء العام 1972م عندما سافر دافيد الى باريس بناءً على برقية شفرية من المخابرات المصرية، وهناك التقى برجل المخابرات أمجد وعدد آخر من الرجال بينهم خبير في ألعاب الورق، والذي راح يدربه على ابرع حيلها وأدق أسرارها. وفي النهاية عاد دافيد الى تل أبيب بصحبة رجل أعمال فرنسي يحمل جواز سفر سليم باسم « فرانسوا مولييه» ويهوى أيضاً لعب الورق.. وبعد فترة قصيرة كان فريق دافيد وفرانسوا قد اشتهر بالبراعة في هذا المضمار، وعقد عدداً من الصداقات مع من يمارسون اللعب في أمسيات السبت حتى قام احدهم بتقديم دافيد و فرنسوا الى الجنرال رابينوفيتش باعتبارهما هواة لعب الورق بنفس الحذر والمبالغ الصغيرة التي يهوى هو اللعب بها. ويشير الكاتب أنه بعد خطة معينة، استضاف الجنرال الاسرائيلي أصدقاءه في القمار الجدد وهم رجال المخابرات المصرية إلى منزله بعد سفر زوجته، وذات يوم بعد ان غرق الجنرال في السكر ونام بدأو في البحث عن الخزنة السرية وبعد جهد كبير تمكنوا من العثور عليها، وتمكنوا من فتحها بصعوبة وقاموا بتصوير كل الشفرة وإعادتها من جديد إلى مكانها، وهو أمر مكن لاحقاً الطائرات المصرية في حرب أكتوبر من التحليق وتوجيه ضربات جوية دون أن تستطيع الدفاعات الجوية الإسرائيلية من التصدي لها.