إنعام عامر: أحداث مثيرة تطارد هذا الملف الذي ظلت العديد من جوانبه خفية حتى الآن رغم مرور ثلاثة عقود عليه.. بحسبان أن العملية برمتها تمت تحت غطاء عال من السرية رغم كشفها لاحقاً قبل اكتمالها على النحو الذي خطط له مما أدى إلى فشل العديد من مراحلها التي تم الجانب الأكبر منها في قلب الخرطوم.. ما هو الجانب الخفي منها وكيف وضعت سيناريوهاته تحت ستار الظلام.. ماهي خطة الموساد البديلة بعدما فشلت عمليات البحر. من أربك الوضع داخل منتجع عروسة وما هو سر إغلاق رجال الموساد للمنتجع وبماذا تفاجأ النزلاء.. ارتباك داخل منتجع عروسة عقب انقضاض أفراد البحرية السودانية على المركب المطاطي الذي كان يستغله ضباط الموساد في عرض البحر الأحمر أدركت المجموعة بما فيهم أفراد وحدة «بتسور» أن عملية نقل الفلاشا قد استنفدت الآن أغراضها وعليهم البحث عن وسيلة أخرى ناجعة.. فقد بدأ الأمر مختلفاً.. وبدأ لزاماً تدبير مخرج للمأزق الذي وقع فيه أفراد وحدة «بتسور» التابعة للموساد.. خاصة بعدما تكدس آلاف الفلاشا داخل المعسكرات بمنطقة القضارف وبعدما ساءت أوضاعهم هناك.. اعتماداً على ما سبق بدت الأوضاع داخل منتجع عروسة مرتبكة بعض الشيء.. وبدأ ذلك واضح للسياح الذين كان غالبهم غير حقيقيين.. وفي أحد الأيام وصل إلى المنتجع هنري جولد المتطوع اليهودي الكندي والناشط في معسكرات اللاجئين. ذهب جولد إلى منتجع عروسة لقضاء بعض الوقت، بعد أن أقنعه بعض أصدقائه بالخروج في رحلة غطس لعدة أيام، وحسب الرجل اكتنفه على الفور شعور غريب داخل المنتجع، ربما لم يستطع اخفائه، وتكونت لديه حينها قناعة بأنه محاط بعملاء الموساد... «الناس هناك يبدون غرباءالعاملون لديهم لكنة غريبة. واحدهن قدمت نفسها على أنها سويسرية الا أن ما زاد شكوكه لكنتها التي لم تكن سويسرية! وخلال وجبة العشاء، ربما كانت اللحظة الحاسمة لاكتمال حلقات شكوك الرجل الذي ظل طيلة يومه ذاك تساوره تلك الظنون عندما وضع على الطاولة طبق (سلطة) مقطع شرائح صغيرة، وبدأ يهمس في سره، لقد زرت أماكن عديدة بمختلف أنحاء العالم، لكنني لم أجد هذه السلطة إلا في إسرائيل»!. وفي اليوم التالي، لم يتردد جولد في مخاطبة أحد معلمي الغطس بالعبرية: «قل لي، ماذا تفعلون هنا؟»، ومن شدة المفاجئة أحمر وجه الرجل وانهار على كرسي قريب منه على شاكلة ما يحدث على خشبة المسرح. الا أن جولد باغته بسؤال آخر بالعبرية أيضاً: «من تكون؟»..، وفي نفس اليوم وصل أيضاً مسؤول كبير في الموساد الى المنتجع، وألقى جولد أمامه شكواه بخصوص ما يجري في مخيمات اللاجئين.. وفي صباح أحد الأيام استيقظ السياح في المنتجع ليجدوا أن كل أفراد الطاقم قد اختفوا من القرية، وتركوا خطابات اعتذار للنزلاء كتبوا عليها أن القرية أغلقت بسبب مشكلات مالية. ووعدوا السياح بإعادة أموالهم. نائب رئيس الموساد سراً في الخرطوم قطع «تيودور» بارفت الباحث الكندي الذي تخصص في دراسة المجتمعات اليهودية أن إشاعات قوية انطلقت خلال العام 1980 بزيارة the second_in_command of the Mossad) نائب رئيس الموساد الى الخرطوم وحسب الرجل فقد تزامن في تلك الفترة ذهاب رجل أبيض يعمل لصالح الموساد الى المفوضية العليا للاجئيين بالخرطوم وأبلغهم أن اللاجئيين الاثيوبيين في معسكرات القضارف يشكلون عبئاً ثقيلاً على الخرطوم، وعرض عليهم أخذ (400) لتوظيفهم لدى شركة في نيروبي بكينيا. وبعدما غادر الرجل الغامض، الذي قطع «تيودور» أنه ضابط موساد، اكتشفت المفوضية أن الرجل الذي زارها لا يعمل لدى أي منظمة طوعية!. الخطة البديلة في بدايات العام 1981، كانت الخطة التالية لرجال الموساد هي نقل الفلاشا جوًا بواسطة طائرات صغيرة من بورتسودان إلى إسرائيل مباشرة إلا أن انعدام المهابط هناك كان عقبة جديدة أمامهم. وبعد عدة مشاورات تقرر إجراء عمليات التهجير القادمة بواسطة طائرات (هيركوليس) التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. كما قررت قيادة الموساد المخاطرة بتنفيذ عملية اختراق للمجال الجوي السوداني وإنزال قوات على أرض دولة معادية. المطار المهجور مع نهايات صيف عام 1982 وفي شهر مايو تحديدًا قرر رجال الموساد تنفيذ الخطة البديلة، وكانت أول مهمة أمامهم هي تحديد أماكن هبوط محتملة جنوبي بورتسودان. وفي النهاية عثروا على مطار بريطاني مهجور كان جاهزاً لهبوط الطائرات. تم تجميع الفلاشا في نقطة التقاء وتم أخذهم إلى المطار، بعدما أضيء بكشافات خاصة لرسم المسار. وعندما هبطت طائرات (الهيركوليس) التابعة لسلاح الجو الاسرائيلي انتاب اليهود الإثيوبيين حالة من الهلع والرعب بسبب الجسم المعدني العملاق الذي رأوه للمرة الأولى في حياتهم، هبط بأزيز شديد صاحب صوت المحركات، مع نشر سحب من الغبار، ثم استدار وبدأ كأنه يسير بسرعة شديدة نحوهم. هرب العديد منهم من المكان ولم يعودوا إلا بعد جهود إقناع جبارة. وآخرون خافوا من صعود هذا المسخ الفولاذي. بعد تأخير ساعة كاملة أقلعت الطائرة متجهة إلى إسرائيل. وأرسلت قيادة الموساد برقية التهنئة التالية لمنفذي العملية، «لقد سطرتم تأريخاً، قمتم بتهجير(213) يهودياً للبلاد بطريقة استئنائية، كل التقدير».انتهت البرقية. إلا أن الشغب الذي أثاره الفلاشا حول المهبط القديم علَّم رجال الموساد درساً هاماً. في المرة القادمة قرروا أن تنتظر الشاحنات الى أن تهبط (الهيركوليس) وتنشر الغبار، عندئذ يقومون بإنزال الأثيوبيين بجوار ذيل الطائرة ونقلهم مباشرة إلى داخل البوابة المفتوحة. لم يستمر الحل طويلاً فقد اكتشفت السلطات السودانية العملية ومكان المهبط على إثر وشاية، واضطر رجال الموساد البحث عن مكان آخر. ووجدوا بالفعل مهبطاً آخر، على بعد (46) كيلو متراً من بورتسودان. هذه المرة تقرر تنظيم عملية إنقاذ جوية تشمل سبع طلعات جوية لطائرات (هيركلويس)، بحيث تحمل كل رحلة نحو مائتي يهودي. عملية الأخوة رئيس الموساد يتسحاق (حاكا) حوفي قرر الإشراف بنفسه على العملية وعليه جرت عملية «الاخوة» تحت قيادته وتنفيذ كبير ضباط سلاح المظلات الاسرائيلي العميد (عاموس يارون). خلال العملية التي جرت على مراحل منذ منتصف 1982 الى منتصف 1984، نقل جواً إلى إسرائيل نحو (1500) يهودي إثيوبي. إلا أن مفاجآت لم تكن في الحسبان كانت في انتظار رجال الموساد... فقد كشف أمر هذه العملية في أعقاب اعتقال قوات الأمن السودانية رجل الاتصال في مخيمات اللاجئين، (أديس سلومون)، بسبب وشاية، وتم احتجازه على مدى اثنين وأربعين يوماً للكشف عن مشغله ونقطة الالتقاء التي حددها الموساد. ومرة أخرى لم تجد عملية «الأخوة» بالنسبة لرجال الموساد، إذ ما زالت المعسكرات مكدسة بالفلاشا مع تدهور أوضاعهم، وبدأ التفكير جلياً في وسيلة أخرى فعالة لافراغ المعسكرات خلال فترة وجيزة، ربما أسابيع، إلا أن الأمر كان يتطلب تدخلاً من جهات أخرى.. ربما ال (سي آي اية) للتفاوض مع السلطات السودانية.