اكتسب الموساد خبراته في مجال التجسس عندما كان يعمل تحت غطاء منظمة الشاي، ومنظمة الشاي كانت لها فروع عديدة في الدول العربية بما فيها الخرطوم ولها عدة واجهات تعمل من خلالها، وأشهرها مكتب كان مشهورًا باستيراد الشاي وهو يقع في شارع البرلمان شرق وزارة التجارة.. حيث إن هنالك العديد من العمارات في السوق الأفرنجي أصحابها يهود وما زالت حتى يومنا هذا.. وكذلك الكنست الإسرائيلي (البنك الأهلي السوداني الآن) والسؤال كيف بيع الكنست الإسرائيلي وأصبح بنكًا وهو أرض للعبادة منحت لليهود مجاناً عندما كان جورج ملكا زعيمًا للجالية اليهودية بالسودان.. وكذلك مقر المعبد اليهودي شمال فندق المريديان سابقاً ووزارة الثقافة والإعلام الآن كانت مقرًا للنشاط الماسوني.. إلخ كل هذه الواجهات كانت ميادين خصبة لجمع المعلومات بالإضافة لنشاط أندية الروتاري والليونز وبعض الشركات والمنظمات والأندية الاجتماعية كانت تدر معلومات هائلة للمخابرات الإسرائيلية التي يجمعها جهاز الموساد.. ومن أكبر العمليات التي قام بها جهاز الموساد في السودان هي عملية ترحيل الفلاشا المعروفة بعملية موسى، أما العمليات التي سبقت عملية موسى فكانت عملية سبأ حيث كان مسرحها شرق إفريقيا بداية من الساحل الكيني.. كيف تمت صناعة قرية عروسة السياحية: من المعلوم أن قبائل المخابرات لا تعمل إلا تحت غطاء يخفي أهدافها الحقيقية وقد اشتهر هذا الغطاء (بقصة الساتر) يتسابق أصحاب المال والسياسيون والدبلوماسيون والأجانب الهاربون من حرارة الخرطوم الخانقة.. سياح من آسيا وأوربا يتزاحمون لتعلم الغطس في البحر الأحمر أو يتمتعون بجولات في صحراء النوبة ورهط من السودانيين من كبار المسؤولين وجميعهم يسكن في المنتجع السياحي الجديد الذي تم بناؤه على بعد خمسة وسبعين ميلاً من المرفأ السوداني عبر البحر الأحمر في المنطقة المواجهة للمملكة العربية السعودية.. في وقت مبكر من عام 1983م بدأت تتوارد المعلومات لجهاز أمن الدولة أن هناك نشاطًا غير عادي داخل هذه القرية وأن مجموعة من حاملي الجوازات الأوربية كانت تنزل في فندق (الاكروبول) ثم تغادر الفندق إلى بورتسودان في اليوم التالي ومنهم من كان يأتي بالبر عبر دول الطوق الأمني السوداني. عمال بناء قرية عروسة الذين جلبهم الموساد ركز جهاز الموساد على العمال الإسرائيليين الذين كانوا يحملون جوازات سفر من دول أوربية وإفريقية (نيجيرية).. لكن ما عرف في هذا المخيم يعتبر من أكبر قصص الهروب الجماعي في تاريخ عمليات أجهزة المخابرات العالمية.. هذه القصة عرفت بعملية موسى وأن من ضمن المبررات التي قدمها جهاز الموساد لقيادة الدولة الإسرائيلية وعلى رأسها الكنست الإسرائيلي.. هو إنقاذ الآلاف من اليهود الإثيوبيين السود (الفلاشا) من إثيوبيا التي كنت تمر بأسوأ فصول حياتها إذ ضربها الجفاف والقحط. عمل الموساد على نقل الفلاشا من معسكرات اللاجئين الإثيوبيين في السودان ليلاً بعضهم بحراً والآخر جواً.. خلفوا كثيراً من الدماء وراءهم بالإضافة لأربع شاحنات كانت تنقل الفلاشا ليلاً إلى مرفأ قرية عروسة لنقلهم بالبحر. أهم الأسباب التي أدت إلى كشف عملية موسى تعتبر عملية موسى من العمليات الجريئة والسرية في نقل الفلاشا جواً وبراً وبحراً من مخيمات اللاجئين في السودان وإثيوبيا وشرق كينيا.. استخدم الموساد (طائرة تشارتز) البلجيكية من نوع بيونغ 707 وهي تابعة للخطوط البلجيكية العاملة عبر أوربا لنقلهم إلى خط غير مباشر من الخرطوم أو أديس أبابا عبر أثينا أو بروكسل أو روما أو بازل بسويسرا إلى تل أبيب.. لقد أخطأ خبراء الموساد بادعائهم بأنهم أنقذوا اثنى عشر ألفًا من الإثيوبيين اليهود السود في عملية موسى والحقيقة أن ثمانية عشر ألف تم إنقاذهم منهم فقط خمسة آلاف على متن طائرات التشارتز البلجيكية.. أما البقية فجاءوا عبر المنتجع السياحي على البحر الأحمر (قرية عروسة). ما هي الأسباب التي أدت لنقل الفلاشا بهذه المغامرة الخطيرة التي راح ضحيتها أعداد كبيرة من الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة. كانت هجرة الفلاشا (الفرديم) إلى إثيوبيا ترجع لعهد مملكة سبأ (ثم تضاعفت أعدادهم في عهد هيلاسلاسي إلا أن أعدادهم بدأت تتضاءل وكان ذلك في الثمانينيات حيث لا يزيد عددهم عن الخمسة وعشرين ألفًا موزعين في إقليم (غواندار) بعيداً في شمال إثيوبيا لفترة طويلة).. إلا أن أشواق الفلاشا ما فتئت تراودهم من حين إلى آخر بالرجوع إلى الأرض الموعودة.. إلا أن إسرائيل لم تعترف بهم رسمياً بأنهم من اليهود حتى عام 1972م عندما أصدر الحاخام السفاردي الأكبر (وفاديا يوسف) مرسوماً بأن الفلاشا هم من قبيلة (دان) وهي قبيلة توراتية مما يجعلهم مواطني الأرض التوراتية (هافيله) والفلاشا يؤمنون بالتوراة يختتنون ويحتفلون بيوم السبت ويطبقون قوانين الحمية بكل سخرية.. وأن الفلاشا من اليهود لأنهم لا يحتفلون (بالهانوكا) التي يحتفل بها أنصار (يهوذا الماكابي) على أنتيوخوس الرابع عام 167ق.م الذي تم بعده تنظيف المعبد واستعادة العبادة اليهودية إلا أن هذا لم يكن جزءاً من تاريخ الفلاشا؛ لأنهم غادروا إسرائيل مع مكة سبأ منذ وقتٍ طويل وخلال حكم سليمان ونتيجة لما توصل إليه مجلس الحاخامات الأكبر من معلومات عن الفلاشا وانتسابهم لليهود قررت إحدى اللجان الحكومية أن هؤلاء الإثيوبيين يشملهم قانون الرجوع الإسرائيلي الذي يسمح لكل اليهود أن يصبحوا من المواطنين فور وصولهم إلى إسرائيل للإقامة فيها.