أخونا صدمة المندهش ظل مندهشاً حتى غادر السودان إلى مقر مهجره في المكسيك. لقد فارق السودان منذ أكثر من ثلاثين عاماً جاس فيها خلال ديار الاغتراب من بلد إلى بلد ومن مرفأ إلى مرفأ، ولما لم يدرك عنب الشام ولا بلح اليمن، قرر أن يعود إلى قريته «شبير البنات» التي تقع في الضفة الشرقية للنيل الأزرق. وجد والده مصاباً بمرض التهاب النكفة كما يقول الأطباء، أو أبو عديلات أو أبو دقناً دايرة كما يقول أهل المنطقة، وهو مرض فيروسي يجعل الحلق يتورم وينتفخ ويسبب حمى مرتفعة وتوابعها. والده كان محاطاً ببعض النسوة وهن يمسحن على ذلك الورم بعصارة أوراق الصبار والملح، بينما تنخرط والدته في إشعال البخور وتتمتم ببعض التعاويذ مثل: يا عين يا عنية... والنبي ناقتو قامت تسير بعد ما كانت كسير، أخرجي.. من عين ما فكر من إنتاية لي ضكر... إلخ، على أساس أن الحاج قد أصابته عين بعد خطبة عصماء ألقاها في مجلس أجاويد في قرية مجاورة. تحسر صدمة المندهش على ما رآه وعبر عن ذلك قائلاً: - بالله الناس هناك فاتوا الإيدز وإنتو لسع قاعدين لي في أب عديلات والعصرة والتايفويد وأمراض التخلف دي؟ فانبرى له عمه قائلاً: - نان نعمل شنو؟ ما ياها مروضاتنا المن زمان كانت بتمسكنا. وخطف الكلام أحد حكماء القرية ويبدو أن له دراية بالتطور في مجال الأمراض الحديثة: - يا خوي جنس مرضك القلتو ده نحنا هنا ما عندنا.. دي مروضات قالوا بتجيبها الزلابية.. ونحنا زلابية ما عندنا. على أن الذي أثار دهشة السيد صدمة هو أنه عندما تجمع الناس حول الكرامة التي أقيمت من أجله وكان من أهم بنودها الشية والمرارة التي لا تصلح إلا إذا استصحبت معها الشطة الحارة جداً التي امتازت بها تلك المنطقة بحكم قربها من الحدود الإثيوبية، تلك الشطة التي توصف بأن فيها سلكاً عرياناً ما حدث بعد ذلك جعل الصدمة التي تلقاها السيد صدمة المندهش يسارع بالعودة إلى مقر اغترابه فالذي مر به أقوى من احتماله. السيد صدمة وبحكم معرفته بأهل منطقته وبحكم عادتهم في الأكل الملتصقة بالشطة، أراد أن يطور ذوقهم في الشطة وأن يخرج بهم من غياهب التخلف إلى شطة حضارية رائعة اتفق مع مورد في المكسيك أن يكون مندوباً له في السودان يتولى احتكار استيرادها باعتباره نوعاً من الاستثمار الأجنبي، خاصة بعد أن وصلتهم الأنباء بأن وفداً برازيلياً زار السودان واستقبله والي ولاية الخرطوم بترحاب بالغ. وفي تلك الكرامة أخرج السيد صدمة قارورة أنيقة مكتوب عليها «تباسكو» وهي نوع من أنواع الشطة الحضارية المنمقة. ولكن أحد المدعوين أخذ القارورة وقلبها بين أصابعه ثم شد جفنه الأسفل وأغرق عينه من ذلك السائل الأحمر وهو يقول: - الله يبارك فيك.. لي زمن بفتش للقطرة دي.. الليلة يا دابك لقيتها.. إن شاء الله تكون جبت منها كمية؟ أبوك ده حتى هو قالوا لو عند تركوما. إعلان عن جائزة الألفية الثالثة جائزة كبرى نقدمها لكل من يأتي بدليل أن الوزغ أو الضب بلغة أهل السودان ومنذ زمن سيدنا إبراهيم إلى الآن قد عض إنساناً أو تسبب في سمه أو حتى سمم أو عض شخصاً من أهالي السودان فتسبب في موته، «بخلاف الضب الذي عرضته على شاشة التلفزيون وجعلته عنوةً يعضني»، كما رصدنا جائزة كبيرة مقدارها عشرة ملايين يورو لمن يثبت أنني قد لقيت حتفي ومت بعد أن عضني ذلك الضب..لا تدع الفرصة تفوتك. ارسل إجابتك إلى: