على ذات النهج وبذات الطريقة التي تدار بها الآن ملفات السودان ودولة جنوب السودان الوليدة والعديد من دول المنطقة داخل الغرف المغلقة ومطابخ السياسة في أوروبا وواشنطن بعد تطويقها بحزام استخباراتي قوي، جاءت كلمات «جيرارد برونير» عندما دعا في مقال له بصحيفة «نيويورك تايمز» قبل عامين إلى إعطاء فرصة للحرب ليس فقط بين الشمال والجنوب، بل داخل السودان نفسه. وعلل أن من شأن ذلك إيجاد حلول عن طريق القتال ربما لا تتوافر عبر اتفاقيات السلام! وخلال العام 2012 اتهمت منظمة العفو الدولية الولاياتالمتحدةالأمريكية بإذكاء الانتهاكات في السودان من خلال تجارة السلاح، وهنا أكد الكاتب الإفريقي «ريزون وافا» أنه لايستغرب محاولة أمريكا استغلال الضعف لدى دولة الجنوب في إطار أطماعها في تأسيس ودعم قاعدتها في إفريقيا آفريكوم في مكان ما جنوب الصحراء دارفور وحسب مجلة «Executive Intelligence» الأمريكية المعارضة فأن ذات الأمر ينطبق على إقليم دارفور ويتم تشجيع إقليم الشرق، وهنا يكتمل ما يسمى «دولا فاشلة» في المنطقة بشكل متعمد ويتم تطويقها بسهولة، وحسب المجلة فأن مهندسي هذه السياسات في بريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية هم أنفسهم من ساعد الحركة الشعبية في الجنوب وقدم لها الدعم اللازم. وفي ذات الإطار يقول «بيار بيان» أحد أبرز كتاب التحقيقات السياسية في فرنسا ومؤلف كتب «Camage» «حاولت أن أبرهن في كتابي وأن أحلل ما يجري في السودان خصوصاً انفصال جنوب السودان، وكي نحلل ذلك يجب أن نفهم لعبة الولاياتالمتحدةوبريطانيا وإسرائيل لفهم تشجيع التمرد. بالطبع في السودان كيف ولماذا» حسب «بيار» فإن أمريكا تؤكد على مستوى عالمي أن السودان هو البلد الأكبر مساحة في كل إفريقيا. والنقطة الأخرى هي فتح حدوده على العديد من الدول، أما النقطة الأخيرة والمهمة فهي احتياطي النفط الضخم الموجود في السودان. ويذكر بيار أن العام 1983 هو الذي شهد انطلاقة التمرد قوياً في الجنوب بقيادة قرنق، وأشار هنا إلى العام الذي تمرد فيه الرئيس اليوغندي يوري موسفيني، إذ فهمت إسرائيل ثم بريطانياوأمريكا أنه أصبح شخصاً مهماً وبات منذ ذلك الحين رجل المنطقة والحليف الأفضل، وكانت أهم أحد الأهداف في ذلك الوقت مراقبة الخرطوم وتشجيع حركات التمرد في جنوب السودان. وهنا ذكر رئيس الوزراء الرواندي السابق؛ جيمس غازانا، في مولفه: «رواندا من الحزب الدولة إلى دولة الحماية»، أن الإستراتيجية الأمريكية ضد الإسلام قد ضحت برواندا وأن الدعم العسكري والدبلوماسي للجبهة الشعبية لرواندا عبر أوغندا كان جزءاً من الإستراتيجية العامة لدعم جيش تحرير السودان بقيادة قرنق، وأن أوغندا كانت بمثابة الغطاء للعمليات في جنوب السودان، وأن موسفيني أصبح الحليف الوحيد الثابت ضد الخرطوم! وصنف مراقبون يوغندا بقولهم «هي الآن المسرح الخلفي لتلاعب أجهزة المخابرات العالمية» وأرجعوا السبب إلى وقوعها في عمق الحزام الاستخباري الدولي. وفند محللون هذا الحزام بأنه درج على التلاعب بأنظمة دول المنطقة. وفي الغضون أكدت مصادر عديدة تورط الرئيس اليوغندي في زعزعة استقرار السودان عبر احتضان ودعم حركات دارفور. وأكد مراقبون أن عداء الرئيس موسفيني للسودان يكاد يفوق عداء العرب لإسرائيل. وظل موسفيني على الدوام يدعو إلى إنهاء ما أسماه سلطة الجلابة على الأفارقة، وهو أيضاً من الذين سعوا لأن يكون جنوب السودان منطقة عازلة بين ما أسماه الإفريقانية والعروبة «Buffer Zone». وفي الغضون أكدت منظمة «أبحاث النزاعات المسلحة» أن دولاً بالمنطقة من بينها يوغندا وبعض دول الإيقاد تورطت في إيصال شحنة أسلحة إلى دولة الجنوب قدرت قيمتها بنحو 38 مليون دولار، وحذرت أن تلك الشحنات تطيل عمر النزاع الذي أودى بحياة الآلاف، وأجبر أكثر من 1.5 مليون شخص على الفرار من منازلهم. ودعت منظمات حقوقية من بينها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش إلى حظر بيع الأسلحة لجنوب السودان. وحسب إفادات رئيس المنظمة التي تراقب تدفق الأسلحة، فإنه منذ بدأ عملية تدفق الأسلحة إلى دولة جنوب السودان بشكل كبير مقارنة مع الفترة التي تلت استقلاله، وأكد في حديثه لوكالة «فرانس برس» أن هذه الشحنات كانت بشكل خاص أعلى سعراً وأكثر تطوراً ومن بينها أسلحة مضادة للطائرات. ورمى محللون باللائمة على العديد من الدول المجاورة من بينها دول عضو بالإيقاد ودول مشاركة في عملية السلام بتورطها في دعم تدفق العديد من شحنات الأسلحة الثقيلة والمتطورة إلى الجنوب من بينها كينياوأوغندا. وعندما انفجرالصراع في جنوب السودان بين الحكومة والمعارضة تدخلت يوغندا في البداية تحت اسم مهام إنسانية، وحينها أكدت أن هدفها هو إجلاء المتأثرين وتأمين المطار والعاصمة جوبا بجانب حقول النفط إلا أنها تورطت لاحقاً في عمليات كبيرة لصالح سلفا كير ضد خصمه مشار، ودفعت بنحو أربعة آلاف مقاتل وتوغلت داخل البلاد حسب تقارير من هناك. ولدى يوغندا مصالح متعددة في دولة الجنوب من بينها مخاوف أمنية منذ أمد بعيد مثل احتمالية تنظيم جيش الرب لصفوفه هنالك في خضم تلك الاضطرابات التي يعيشها الإقليم، وفي هذا الخصوص أكد وزير الخارجية الأوغندي سام كوتيسا أن أوغندا كانت بحاجة إلى سد الفراغ الأمني الناجم من الأزمة في الجنوب، والذي قدروا أنه من المحتمل أن يسهل أنشطة جيش الرب، ويتمكن من تنظيم صفوفه ومن ثم التسلل إلى أوغندا مرة أخرى. وحسب المركز السوداني للخدمات الصحفية، فإن اجتماعاً كان قد عقد في وقت سابق بعاصمة جنوب السودان رتب له قيادي بالحركة بحضور سلفا كير وبعض قادة الحركة الشعبية مع موظف بالقنصلية الأمريكيةبجوبا، وهو المسؤول عن ملف المناطق الثلاث، وخرج باستغلال وجود إعداد كبيرة من قوات الحركة الشعبية هنالك من أجل تحقيق الضغط على جبهة جنوب كردفان حيث تتعرض قوات الحركة هنالك إلى هزائم ساحقة على يد الجيش السوداني، وأشار المسؤول الأمريكي إلى أن من شأن إشعال جبهة أخرى هناك تقوية موقف حكومة الجنوب التفاوضي بخصوص القضايا العالقة مع الخرطوم، وإضعاف الحكومة هناك.. ذات المصادر أشارت إلى تأييد قادة الشعبية الذين حضروا الاجتماع وإجماعهم حول مقترحات المسؤول الأمريكي القاضية بضرورة تقديم الدعم لكل الحركات المتمردة خاصة حركات دارفور لذات الغرض. دعم الأصدقاء وتناولت مجلة «التايمز» الأمريكية واسعة الانتشار، اشتعال فتيل الأزمة في جنوب النيل الأزرق وقبلها في أبيي وجنوب كردفان عندما انتقد كاتب مقال تحت عنوان «The Tragedy of Sudan». وحذر المتمردون الذين وصفهم بأنهم حاربوا في السابق جنباً إلى جنب مع حركات التمرد في دارفور وجبال النوبة، بهدف إضعاف الخرطوم خاصة عقب الأزمة الاقتصادية التي خلفها انفصال الجنوب وفقدان الشمال عائدات النفط، وأقر الكاتب أن تلك الحركات ما زالت تحتاج إلى دعم الأحزاب المعارضة في الشمال، ومن أصدقائها في الجنوب كي تشكل تهديداً حقيقياً على الخرطوم.