ظل حديث مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي في الحكومة حديث المنابر والمنتديات في الفترة ما قبل وبعد الانتخابات، وتكاد لا تخلو أية صحيفة من الصحف آنذاك من أخبار الحزب الاتحادي الأصل بخصوص مشاركته في الحكومة أو عدمه، وعن الوزارات التي ستمنح للحزب وعن اللجنة المشتركة بين المؤتمر الوطني والحزب وما توصلت إليه من اتفاقيات، وفتح الباب أمام هذه التكهنات وجود رئيس الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني خارج البلاد، وهو الشخص الوحيد الذي بيده القول الفصل في هذا الأمر. وعضد من ذلك بيان المكتب الإعلامي قبل سويعات من إعلان تشكيل الحكومة بأن ملف المشاركة برمته أحيل لرئيس الحزب. رفض ومشاركة بالرغم من التكهنات التي سبقت المشاركة أو الرفض وفي سابقة مفاجئة أعلن الحزب الاتحادي الديموقراطي المشاركة في الانتخابات التي جرت، والغريب في الأمر بعد المشاركة المشروطة، قام الحزب برفض نتائجها واتهم المفوضية القومية للانتخابات بالانحياز لينضم بذلك إلى موقف حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي آنذاك. وقال زعيم الحزب محمد عثمان الميرغني في بيان، «نرفض نتائج الانتخابات ونطلب إعادة عملية الاقتراع»، وأضاف بأن الطريقة التي جرت بها هذه العملية بعيدة عن أن تكون حرة ونزيهة، والمفوضية لم تكن طرفاً محايداً. وكان مرشح الحزب الاتحادي الديموقراطي للرئاسة حاتم السر قد أعلن في بيان له رفضه لنتائج الانتخابات أيضاً، وقال: «أعلن رفضي التام وعدم اعترافي بنتائج انتخابات رئاسة الجمهورية وما يترتب عليها من خطوات لاحقة، إن هذه النتيجة لم تعكس التمثيل الحقيقي لأهل السودان». تضارب مواقف جملة هذه المواقف جعلت المراقبين يرجحون مشاركة الحزب في الحكومة وقد كان، وأصبح الحزب جزءاً أصيلاً من هذه الحكومة، ورغم ذلك ظلت مواقفه متأرجحة وغير ثابتة، إضافة إلى تضارب التصريحات تارة بالمواصلة وأخرى بالمغادرة حتى الآن لجهة أنه في التصريحات السابقة لم يستبعد المشاركة وترك الباب موارباً حسب قيادات نافذة في الحزب تحدثت ل «الإنتباهة»، بأنه يوجد هناك تياران أحدهما يدعم الخطوة، والآخر يرفضها جملة وتفصيلاً. وهذا الأخير ذهب إلى أبعد من ذلك باتهام الداعين للمشاركة بأنهم يهرولون نحو السلطة لتحقيق غايات شخصية تتعارض مع مواقف الحزب المعلنة، كما قالها القيادي البارز ومخزن أسرار الميرغني علي نايل ل «الإنتباهة»، مشيراً إلى أن المشاركة جلبت العار لحزب تاريخي مثل هذا، مشاركة الاتحادي في الحكومة تصطدم بعقبة الشرط الذي وضعه المؤتمر الوطني أمام مشاركة كل الأحزاب وهو الاعتراف بنتائج الانتخابات، وإن اتجه الحزب لهذه الخطوة فسيسقط سقوطاً مريعاً أمام جماهيره خاصة بعد البيان الغاضب الذي أصدره رئيس الحزب الميرغني قبل سفره بلحظات إلى القاهرة، وأعلن فيه رفض الحزب «جملة وتفصيلاً» لنتائج الانتخابات وأن ما أسفرت عنه ليس تعبيراً حقيقياً عن إرادة الشعب السوداني، ويطالب بإعادة الانتخابات كاملة على كل مستويات الحكم للخروج من المأزق السياسي الراهن الذي دخلت فيه البلاد نتيجة لهذه الانتخابات بممارستها الفاسدة ونتائجها المرفوضة، ودعا الميرغني لحوار وطني جامع بين القوى السياسية الوطنية يفضي إلى اتفاق حول القضايا المصيرية التي تواجه البلاد. سيناريو التكرار العارفون ببواطن الأمور في أروقة الحزب والمقربون للميرغني يؤكدون تكرار السيناريو نفسه في الانتخابات السابقة بأن الميرغني ما زال غاضباً من النتيجة السابقة خاصة وأن المعاقل التاريخية لحزبه ضربت في مقتل من قبل الوطني الذى جرده من مراكز ثقله «بالشرق ونهر النيل والشمالية»، تطورات الأحداث بهذه الشاكلة ظلت مستمرة حتى الآن بالرغم من مشاركة نجل الميرغني الغائب الحاضر وكثرة التصريحات في الصحف عن مشاركة أو رفض الاتحادي الأصل في الانتخابات القادمة وفتح الباب واسعاً أمام تلك التكهنات نجد التصريح المفاجئ لمسؤول العلاقات الخارجية بالجبهة الثورية ياسر عرمان الإجماع حول الاتفاق الإطاري للحوار الوطني بأنه أكبر تطور سياسي سيحافظ على وحدة السودان عبر حل شامل. وفي ذات الاتجاه أكد عرمان أنه لا يوجد أي طرف من قوى المعارضة سيشارك في الانتخابات القادمة بما فيها الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة الميرغني الذي أبلغ عرمان عن ذلك بحسب عيسى المحجوب، قال للصحيفة في إشارة إلى حديثه حيث اعتبر كل ما ذُكر بخصوص مشاركة حزبه في الانتخابات شهادة سماعية ومنقولة لا يعتمد عليها في تقدير الأمور. ويقول المحجوب إن الحزب الاتحادي الأصل ظل يكرر بأن الأمر من المشاركة في الانتخابات لم تتم مناقشته في القطاع السياسي أو اللجنة التنفيذية للحزب، واستدرك قائلاً: أما إذا كان قد نوقش على مستوى آخر وأعني بذلك القيادة فإنني لم أبلغ رسمياً به وبالتالي لا أستطيع أن أنفيه أو أؤكده، وعلى أية حال فلا شك تلك رؤية مبنية ومنطلقة من ذلك الشعار وهو أن تتولى الأمور في السودان في هذه المرحلة الحرجة حكومة ذات طابع قومي لأن ما يواجهه السودان من قضايا يتطلب من الاتحادي أن يسمو على كل الخلافات إذا كان من شأن ذلك أن ينقذ السودان من التفتت، ولا بد من مواصلة الحوار. تصريح عرمان أكسب الأمر أهمية لكن للأمين العام للحزب الاتحادي الموحد الأستاذ عصام أبو حسبو رأياً بخلاف المحجوب، إذ يرى أبو حسبو من خلال حديثه للصحيفة عن مدى صحة الخبر نفسه، ولو فرضنا أنه صحيح، لماذا يصرح به ياسر عرمان مع العلم أن هناك ناطقاً رسمياًَ باسم الحزب الاتحادي، وهو إبراهيم الميرغني وحاتم السر أو مساعد المهم في الأمر هذا التصريح كسب أهميته لكونه جاء من ياسر عرمان كما أسلفت، وأيضاً الخبر مبني على مساعد رئيس الجمهورية بروف غندور وأحسب من ورائه دلالة واضحة للأحزاب التي قررت مقاطعة الانتخابات مثل حزبي الأمة والاتحادي الموحد ومجموعة من الأحزاب الأخرى، وقال أبو حسبو أما عن مواقف الأصل فهي معروفة لدى الجميع وأنها تتسم بالضبابية وعدم ثبات على مبدأ واحد يوجد مبرر لإعلان الميرغني عدم مشاركته في الانتخابات وفي الوقت نفسه حزبه شريك أصيل في الحكومة.