يمر العالم العربي اليوم بأخطر مرحلة عرفها التاريخ، مرحلة ورد ذكرها في القرآن الكريم «يخربون بيوتهم بأيديهم»، حدث هذا في ليبيا والسودان ويحدث الآن في مصر وسوريا واليمن وبدأت ملامحه تلوح في الكويت والبحرين والسعودية!! يتم تطبيق ذات النظرية التي نجح تطبيقها في العراق وقد أتت أكلها، فكل العالم العربي يُقاد إلى ذلك المصير، هذا بعدما حولوه إلى عربي بعد أن كان إسلامياً. دعم الغرب وأقصد بالغرب أمريكا الأنظمة العربية الديكتاتورية التي قهرت شعوبها وقتلت فيها روح التقدم، وبفضل الدعوات اليهودية تفرقت ما بين شرق وغرب أي ما بين القوى المادية الحاكمة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث برز الاتحاد السوفيتي كقوة عالمية جديدة، وبرزت الولاياتالمتحدة كأكبر غني حرب وكانت المستفيد الأول من تلك الحرب، وكان العالم كله بما فيه الاتحاد السوفيتي مدينًا لها ماديًا!! بعد الحرب العالمية الثانية ورثت أمريكا الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية وبالطبع مستعمراتهما التي تقاسماها بمقتضى سايكس بيكو، وفي قلب هذه الورثة يقع العالم العربي، الذي لم يكن بعيداً عن أطماع الاتحاد السوفيتي الذي كان أول من اعترف بدولة إسرائيل، ومن أقوال ستالين في ذلك، أن إسرائيل ثمرة ننتظر نضجها ليتلقفها فم الاتحاد السوفيتي، وإذا نظرنا إلى قادة إسرائيل عند تكوينها لوجدناهم ينحدرون من أصول روسية وأوكرانية وبولندية، وعلى سبيل المثال نجد بن غوريون من أصل أوكراني وجولدا مائير من أصل بولندي أوكراني وكلاهما من العنصر السلاڤي حيث التطابق الكبير في الدم واللغة، كما أن وزير الدفاع الإسرائيلي الشهير إبان حرب الأيام الستة في يونيو 7691، ذا العين المفقوءة، موشي ديان كان محارباً في الجيش السوفيتي ونال أعلى الأوسمة السوفيتية وهو بطل الاتحاد السوفيتي. كانت أمريكا أقوى مادياً فاحتضنت إسرائيل وما حولها، وأصبح العالم العربي يدور أو بالأحرى يطوف حول قطبين هما أمريكا والاتحاد السوفيتي.. حقيقة ظاهرة للعيان لم يفطن لها العرب بعد فقدانهم الهُوية الإسلامية، وهي أن كلاً من أمريكا والاتحاد السوفيتي وإسرائيل دول مصنوعة، والمصنوع له صلاحية لا يتعداها، فكلها إلى زوال بدأ بالاتحاد السوفيتي ويزحف نحو أمريكا ويهدِّد إسرائيل، فالاتحاد السوفيتي قام على أساس قبيلة سياسية أطلقوا عليها اسم الشعب السوفيتي، وهذه التسمية كانت سبباً في إحياء النعرات القومية في الدول المكوِّنة للاتحاد السوفيتي إذ إنه من المستحيل أن تذوب قومية عريقة في شعار سياسي مصنوع وغير مقنع. أما أمريكا وهي كذلك دولة مصنوعة مد في عمرها سيطرتها على الاقتصاد العالمي والذي قام على حساب الآخرين بعد الحرب العالمية الثانية، فنجدها اليوم تعاني من ذات الاقتصاد الذي ضعف وبدأت بوادر الانهيار تلوح في الأفق. إسرائيل كذلك دولة مصنوعة وعلى ذات النسق الأمريكي مع اختلاف طفيف لكن كليهما تتشكل من عصابات استولت شيئاً فشيئاً على الأرض وشردت وأبادت السكان الأصليين تمت إبادة عشرين مليونًا هم تعداد سكان أمريكا من الهنود الحمر!! في المفهوم الأمريكي أن الأرض يمكن الاستحواذ عليها بطريقتين لا ثالث لهما الاحتلال أو الشراء، وقد طبقتهما في أمريكا حيث احتلت في أمريكا ما عدا ولايتين في الجنوب الأمريكي كانتا تحت الاحتلال الفرنسي فقامت بشرائهما من فرنسا، قد تفاجأ الملك حسين عندما طلب من الرئيس الأمريكي بعد حرب يونيو، أن تنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها، فكانت إجابة الرئيس وكيف يمكن حيازة الأرض، بالاحتلال أو الشراء، إجابة جعلت الملك حسين يفقد القدرة على النقاش من شدة صدمتها.. وإسرائيل تلك الدولة المصنوعة من مجموعة عصابات كوّنت جيشاً على أساسه قامت دولة على ذات النسق الأمريكي، دول قامت على ثقافة الخوف والتي تولدت من عقدة الذنب لديها، وقد صور القرآن الكريم هذه الحالة «يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو».. وقد أفلح إعلامهم في نشر ثقافة الخوف هذه حتى في بقية أنحاء العالم، فالشارع الأمريكي والإسرائيلي وبقية الدول التي تلف لفهما تصدق أن السودان وأفغانستان والصومال المنهار هم خطر على السلام العالمي.. ويبارك العالم ضرب تلك الدول الفقيرة الضعيفة. حرية الشعوب خطر على إسرائيل وأمريكا والأمن العالمي. لذا يجب أن تدار هذه النزعة التحرُّرية لدى الشعوب العربية على نسق الإسلام الأمريكي فتتحول الحرية أيضاً إلى حرية أمريكية، والحرية الأمريكية تعني الفوضى التي أضفوا عليها من كريمات التجميل السياسي فأصبحت خلاقة.. ولو أن المسلمين قرأوا تاريخهم جيداً واستوعبوه واعتبروا به لما سقطوا في هذا الدرك السحيق، ألم يقرأوا قصة جالوت ذلك العملاق الرهيب الذي تُرعب رؤيته جيشًا كاملاً ذلك الجبل الشامخ مات بضربة حجر صغير قذفه شاب صغير مسلم بعد أن سمّى باسم الله وكان ذلك هو داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام، هذا المارد المتجبر المتكبر حتى اليوم مثل يُحتذى لأمريكا وقد صوَّرته أفلام هوليود كبطل عالمي. الأمم تقوى مادياً والعرب يضعفون روحياً فتضمحل فيهم العقيدة وتخبو وتحل مكانها الذلة والمسكنة والوقوع والخنوع للعدو، والطغاة يُضعفون شعوبهم بالفقر والعوز وهدم الأخلاق، وينعكس هذا الضعف أول ما ينعكس على ذات الطغاة وهذا منطقي فمن أين يستمد القوة وكل ما يحيط به ضعيف، يستمدُّها من خارج محيطه وبلده فيقع في يد من لا يزيده إلا خبالا.. القدس تستباح ونحن ندبج الخطب والردح، نكفر بعضنا البعض ما بين ذبابة وضب وكلاهما يسبح بحمد الله أكثر مما نفعل نحن، مواصفات المسلم جاءت في آية قرآنية كريمة «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم». وصف دقيق الشدة، والرحمة اللذان لا يتناقضان ويجتمعان في قلب واحد، لم يأتِ الوصف بالقسوة فالقسوة والرحمة متضادان لا يجتمعان، فلم نغلظ على بعضنا ونترك قدسنا أسيرة للصهاينة الذين وصف المولى عز وجل موقفنا معهم بالشديد فهل نحن أشداء عليهم.. كلا.. نحن ضعفاء منهارون أمامهم لا يمنعنا من الاعتراف بهم إلا بقية خجل في طريقها للزوال.. ومن يستخف شعبه أولى بأن يضيع قدسه..