دروب مختلفة: راحيل إبراهيم بعيداً عن «الكورة» وأحداثها الأخيرة وبعيداً عن المناقشات التي تمتلئ بها أطراف المجالس وشاشات التلفاز عبر المحللين أو نبرات المتحاججين وارتفاع أصواتهم أينما دار مفتاح المذياع لموجة ما وبعيداً عن التباين في الآراء رغم الحقيقة المرة أن الكرة السودانية في غرفة الإنعاش ونحتاج «لأندروس» حتي نستطيع هضم الواقع المرير.. بعيدًا عن كل هذا نتوجس خيفةً من انتقال هوس التشجيع الكروي والمناكفات التعصبية إلى المجتمع السوداني بعد أن كان محصوراً على أفراد معينين في الصحف الرياضية.. الشعب السوداني يعشق الكرة منذ زمن بعيد وتميز معظم أفراده بحمل أحد اللونين الأزرق أو الأحمر و كان التعصب الكروي جميلاً جدًا بحيث لا يتعدى الموضوع المزاح والمهاترات العذبة وكان المنزل الواحد يتشكل بشتى الألوان الرياضية إلا أنه يستطيع ضم أفراده في حب ووئام ولا يزال تساؤلاً يطفر إلى ذهني منذ أن كنت طفلة وقد كنت حينها أحب متابعة الكرة جداً و«ملونة بفريقي المحبوب على السكين» كنت أعتقد أن أي لاعب يطلب من والدته أن تدعو له بالنصر قبل خوضه المباراة ويخص اعتقادي لاعبي الهلال والمريخ فضولي يكمن حول سؤال واحد: لمن كانت تدعو والدة اللاعبين خالد برشم وشقيقه عبدالرحيم برشم عندما تكون المبارة بين الهلال والمريخ.. وقد كانا يلعبان لهذين الفريقين آنذاك؟ كنت أتخيل لو أنها دعت لهما الاثنين لخرجت المبارة بالتعادل وأتعمق في التفكير ببراءة الطفولة أن خالد لو جاء لأمه أولاً طالبًا منها الدعاء لنال المريخ النصر والعكس صحيح في حالة عبدالرحيم الذي كان يلعب للهلال.. الأهم في الموضوع أنهما كانا يقطنان منزلاً واحدًا و يخرجان في ذات الزمن ويعودان بعد نهاية المبارة، ومتأكدة أنا من عدم تخاصمهما مطلقاً بسبب «الكورة» بل وقد يتدربان في ملعب واحد يا له من زمن جميل كان فيه اختلاف ألوان الرياضة يعمق الصلات الاجتماعية وترابطها وشتان بين ذلك الزمن وهذا الزمان الذي أصبح فيه التعصب يحزن القلب ويدميه وإنه لخطر عظيم على المجتمع.. حدثني أحدهم أنه رفض أن يوقع بقلم أزرق في أوراق رسمية لأنه مريخابي وقد كلفه هذا التهور فقدان وظيفته فاعتبر الفقد مهرًا لحب المريخ، أما الآخر فقد حرم دخول البطيخ لمنزله لأنه هلالابي، وبالتالي حرمان أهله من تناوله يا لغرابه هذه المفاهيم!! يا أيها المجتمع المنهك من غلاء الاسعار المرهق من الوقوف في إنتظار المواصلات المتألم جداً من النتائج المخزية لمنتخبه القومي والفرق من أجل صحتك أو من أجل من ينتظرون مقدمك بفارغ الصبر حتى تلقي في جوفهم لقمة بعد صراع مع الجوع طوال ساعات النهار لا تعتزل تشجيع الكرة لكن لا تغلُ في التعصب فلا يوجد من يستحق فقد خرج المريخ مبكرًا من أبطال إفريقيا ثم لحق به الهلال وتقاسما الكأسين المحليتين بمشكلات وجدال وأحد الشوارع الشعبية يشهد قيام أحدهم بطعن شقيقه لأنه استهتر بكأسهم.