تلقّى فرد الشرطة عبد الله حماد أمراً من قائده عبر اللاسلكي، بالتحرك إلى حي دار السلام، أحد الأحياء الطرفية غرب الخرطوم، غالبية سكان الحي من نازحي الحروب المشتعلة في أطراف السودان، مهمة حماد ورفاقه كانت احتواء أعمال شغب قامت بها مجموعة من عصابات النيغرز. في موقع الحدث وجدت الشرطة شباباً تتراوح أعمارهم بين «15و21» عاماً يحملون سواطير وسكاكين وعصياً، يرتدون أزياء غريبة. تدخلت الشرطة لفض الاشتباكات بين مجموعتين متحاربتين، استل أحد أفراد العصابتين سكيناً، سدد بها طعنة للشرطي حماد ليلقى مصرعه في الحال متأثراً بإصابته. مجموعة من الشباب صغيري السن، يميزون أنفسهم على طريقة الأمريكيين من أصول أفريقية بملابس خارجة عن المألوف في المجتمع، يتحركون ليلاً في مجموعات، يعترضون المواطنين بشكل عشوائي لنهب ممتلكاتهم. للتعرف إلى النيقرز تحدثت صحيفة «العربي الجديد» اللندنية إلى استير، زعيم إحدى تلك العصابات، التقيناه نهاراً في ضاحية شرق النيلبالخرطوم، قرب إحدى بائعات الشاي، بدا أستير هادئاً، رائحة الخمر تفوح من فمه، رفض فى البداية التحدث مع العربي الجديد، بعد نقاش وافق بشرط عدم التصوير. تزعمت المجموعة وأنا صغير يقول أستير وتابع أنه وعصابته يلجأون لنهب المارة في الخرطوم عندما يحتاجون إلى المال، شأنهم في ذلك كغيرهم من عصابات النيقرز الجنوبية، يضيف وهو يكشف عن موضع إصابة في جسده سبق أن تعرضت لطلق ناري من قبل الشرطة أثناء مطاردة ليلية. يعد الطالب الجامعي عبدون أحد المحظوظين ممن نجوا من اعتداءات النيقرز، قبل يومين، بينما يسير عبدون في الشارع بإحدى المناطق الطرفية في أم درمان، اقترب منه «3» شباب يحملون السواطير، هرب عبدون من المجموعة وأطلق ساقيه للريح. عبدون قال : هؤلاء يسرقونك وغالباً ما تنالك ضربة ساطور أولكمة في وجهك حتى لو لم تقاومهم. حادثة الطالب عبدالكريم عطا الذي يقيم بمدينة شرق النيل القريبة من الخرطوم تعد من أشهر جرائم عصابات النيقرز، إذ تعرض عبدالكريم للاعتداء من قبل احدى المجموعات، نهبوا هاتفه الجوال، بعدها اعتدوا عليه بالضرب، لم يكتفوا بذلك بل صبوا مادة قابلة للاشتعال عليه وأضرموا النار فيه. عبدالكريم قال : ضربوني ونهبوا أموالي وأشعلوا في النار، وبفضل الله ومعاونة بعض المارة تم إطفاء الحريق ولازلت أخضع للعلاج ولم أستطع الحصول على حقي منهم حتى الآن. ووفق المصادر الأمنية التي تحدثت فإن الظاهرة في تنامٍ مستمر، وتشير تقارير وزارة الداخلية الى تدوين «629» بلاغاً ضد عصابات النيغرز خلال 2013 فيما تم القبض على «20118» متهماً. ويوضح مصدر أمني رفض الإدلاء باسمه أن ظاهرة النيقرز ظهرت في البداية بمصر منذ النصف الاول من السنوات العشر الاخيرة، وتحديداً وسط مجتمع مهاجري جنوب السودان، ويضيف أن أفراد العصابات ارتكبوا أعمال عنف وشغب بأحياء القاهرة، ما أدى إلى إعادة بعضهم إلى الخرطوم قبل انفصال دولة جنوب السودان، وهو ما أدى إلى ظهور أنشطتهم بالخرطوم، ويختتم قائلاً ارتكبت هذه العصابات اعتداءات في أجزاء متفرقة من الخرطوم وأطرافها، وأشاعوا الفوضى بها منذ لحظة دخولهم إليها. تكشف معلومات أدلى بها أحد ضباط الشرطة إلى العربي الجديد عن تواجد «14» مجموعة من مجموعات النيقرز معروفة لدى السلطات الأمنية في الخرطوم، أبرزها واس كوس، المافيا، اليورو، كاش منى، ميامي وفريدوم. الضابط المختص بمكافحة الظاهرة قال إن أعمار أعضاء المجموعات بين «11و20 عاماً» وكل مجموعة لها شعاراتها الترميزية ذات الدلالات الخاصة بهم وكذلك لكل مجموعة وشمها الخاص الذي يميزها عن غيرها. يواصل المصدر الشرطي ويقول: تقيم المجموعات حفلاتها الخاصة والتي تسمى «ديرتي» في صالات مستأجرة، تتم دعوة الاعضاء عن طريق كروت أنيقة ذات ألوان زاهية تحمل عنوان ووسم المجموعة صاحبة الحفل مع تحديد اليوم والساعة بينما لا يتم تحديد المكان حيث يوضع بدلاً عنه ارقام هواتف للاتصال لتحديده. وحول تمويل أنشطة العصابات قال الضابط التمويل اللازم للحفلات والرحلات يتم عبر فرض مبلغ محدد على كل عضو من المجموعة والذي بدوره يوفر المبلغ من خلال عمليات النهب والسلب. وكشف عن رصد الجهات الأمنية تجنيد فتيات وتلاميذ مدارس في العصابات، وقال لاحظنا أن الصغار عادة يغادرون بعد صلاة المغرب بحجج مختلفة، ويحضرون الاجتماع لتلقي التوجيهات والتدريبات الجديدة، وقائد مجموعة النيغرز هو الذي يحدد نوعية النشاط للأفراد وفقاً لإمكانات يراها فيهم، ولا يحق ممارسة أي نشاط دون تكليف، أواستخدام سلاح دون تدريب، وأكثر سلاحهم سواطير وسكاكين خاصة. يرفض اللواء عطا عبدالحميد - مدير دائرة الجنايات بشرطة الخرطوم الاسبق - القول بأن العصابات المنتشرة حالياً في الخرطوم من النيقرز، ويقول إن هؤلاء مقلدون دفعتهم الحاجة وحب المغامرة إلى التشبه بالنيغرز من أجل النهب والسرقة.عبدالحميد قال إن النيقرز الحقيقيين عبارة عن مجموعات متقاربة اجتماعياً، لا تنهب من أجل السرقة بل لإحداث بلبلة في المجتمع، لافتاً إلى أنه يمكن محاربتهم بأكبر قدر ممكن من الانتشار الشرطي والتشدد في تطبيق القوانين. منذ انفصال جنوب السودان عن شماله تم ترحيل أغلب مجموعات النيقرز المعروفة وإبعادهم إلى الجنوب، إلا أن الظاهرة لم تنته، بل تزايدت وأصبحت تتفاقم، خصوصاً أنه توجد مجموعات أصبحت تقلد تلك الأصلية بشكل أكثر شراسة، ولم يتوقف ذلك التقليد على مجموعات نازحي الجنوب بل تخطاها إلى أبناء عائلات ثرية ومعروفة، يطلق عليهم في عالم النيقرز اسم أولاد ميكى وهم أبناء الأثرياء الجدد، وهو ما أكده مدير شرطة ولاية الخرطوم العميد على محمد عثمان في ندوة مغلقة قبل أيام بأن معظم جرائم السرقات بالولاية مصدرها أبناء الاسر المعروفة، والسبب الرئيس وراءها هو المخدرات المنتشرة بالعاصمة مثل «الخرشة» و«الشاشبندي» و«البنقو».رغم حديث المسؤولين المتكرر عن الظاهرة، قاضت الشرطة الصحف المحلية التي تناولت أخبار عصابات النيقرز بعد نشرها أخباراً عن اصابة مواطنين إثر تعرضهم للاعتداء من قبل عصابات النيقرز. يفسر مصدر شرطي حساسية الشرطة من مصطلح عصابات النيقرز قائلاً إن الشرطة ترفض تلك التسمية حتى لا تروع المواطنين وتقلق قيادة الدولة التي قد ترى في ذلك قصوراً أمنياً. ويرى المصدر نفسه أن العصابات يمكن استغلالها لتنفيذ مخططات تخريبية، لا سيما في حالة الاضطرابات الامنية كما في جرى خلال مظاهرات سبتمبر الماضي والتي استغلتها تلك المجموعات لنهب المؤسسات والمتاجر والصرافات الآلية والاعتداء على المواطنين، وحذر المصدر من تفاقم الظاهرة ما لم يتم حسمها من خلال توفير فرص العمل ودمج النيقرز في المجتمع بجانب اعادة النظر في العقوبات باعتبارها ضعيفة وغير كافية للردع. من جهته، حذر مصدر أمني رفيع المستوى، تحفّظ على نشر اسمه، من انتشار تلك العصابات ووصفها بأنها قنبلة موقوتة، وأكد أن تلك المجموعات يمكن استغلالها من قبل أي جهة لتنفيذ أعمال تخريبية بالعاصمة الخرطوم، لا سيما أن هدفها المال وإحداث الدمار والخراب. وأضاف أن السلطات الأمنية ترقب نشاط النيقرز عن كثب، خصوصاً بعد أن حرقت في سبتمبر من العام 2013 «25» طلمبة وقود بضواحي الخرطوم المختلفة. واسترسل قائلاً العصابات دمرت عدداً من الصرافات الآلية بواسطة السواطير وقامت بنهبها كما نهبت اكثر من «13» متجراً بضاحية عد حسين، وأتلفت ونهبت مركزاً لخدمات المشتركين يتبع لشركة زين العالمية للاتصالات ونهبوا مبالغ مالية كانت بخزينته، بينما حرقوا مركبات حكومية وعامة ومركبات تخص نزلاء بفندق السلام روتانا الشهير بالخرطوم. وأضاف المصدر الأمني أن تحقيقات الشرطة توصلت إلى ضلوع عصابات النيقرز في عمليات قصد منها زعزعة الامن والاستقرار بالبلاد، على رأسها إحراق سوق ستة الواقع بضاحية الحاج يوسف لمرتين، الامر الذي تسبب في خسائر فادحة بمليارات الجنيهات ، كما تسببت تلك العصابات في إحراق سوق ضاحية مايو، جنوبيالخرطوم، فيما أحدثت ذات المجموعات أعمالاً تخريبية داخل مطار الخرطوم أثناء مراسم استلام جثمان الفنان محمود عبد العزيز حيث استغلت التجمهر الكبير للشباب، وهو ما ينذر بخطر وشيك.