بالعودة إلى ما أشرنا له أمس في الوعد بالمواصلة حول ما جرى في إحدى ليالي المؤانسة المتعلقة بالأوضاع السياسية الحالية في الولاية الشمالية بصفة عامة، ومنطقة منحنى نهر النيل بمحليتي الدبة ومروي على وجه الخصوص.. ونظراً للحاجة إلى الطرق على الحديد وهو ساخن فيما يتعلق بالدلالة ذات المغزى البعيد المدى كما نرى على النحو الذي جاء في رسالة الإشادة التي وجهها زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي إلى الرئيس الكيني أوهورو كنياتا مرحباً بمثوله وخضوعه للتعري والتحري والتحقيق معه من جانب ما يسمى المحكمة الجنائية الدولية التي وجهت له اتهامات بالتورط في أحداث العنف الدامية خلال الحملة الانتخابية الرئاسية والبرلمانية السابقة التي فاز بها.. فإننا نلتمس المعذرة لتأجيل ما وعدنا به على أن نعود لذلك غداً إن شاء الله. وبناء على هذا، وكما ورد في الرسالة المشار إليها، والتي وجهها للرئيس الكيني بتاريخ السابع من أكتوبر الجاري، فقد تقدم المهدي، بوصفه إمام ورئيس حزب الأمة القومي، بالتهانئ الحارة للرئيس الكيني على ما وصفه باحترامه الشجاع لحكم القانون. وفي إشارة لا تخفى للرئيس البشير لدى كل من ألقى السمع وأجال البصر والنظر وهو شهيد على رفضه للخضوع لما يسمى المحكمة الجنائية الدولية والقبول بالمثول أمامها، ذكر المهدي: (إن كثيراً من أصحاب المناصب الرفيعة يعتقدون أن مكانتهم تعفيهم من المساءلة وتضعهم فوق القانون. ويسعى بعض القادة الأفارقة كما جاء في الرسالة لجعل مناصبهم دروعاً تحميهم من حكم القانون الذي تمثل سيادة حكمه ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية). ويضيف المهدي في رسالته التي يعوّل فيها على ما يسمى المحكمة الجنائية الدولية، كما لا يخفى فيما يتعلق بالوضع الحالي للمنافسة بين الحكم والمعارضة في السودان، يضيف: (نحن شعوب البلدان المفتقرة للديمقراطية علقنا آمالنا على حزمة حقوق الإنسان العالمية لتقدم بعض الضمان الأخلاقي والمعنوي ضد انتهاكات حقوق الإنسان. ومنذ دخول المحكمة الجنائية الدولية لساحة القانون الدولي اعتبرناها وقاية من الحصانة والإفلات من العقوبة. وعليه فإننا نعتبر قرارك بالوقوف أمام المحكمة كمواطن عادي يعزز موقفك كديمقراطي، ويعزز موقف المحكمة كأداة للعدالة. ومهما يكن الحكم القضائي فإن احترامك لحكم القانون قد وضعك في موقف أخلاقي عالٍ ورفع قدرك في أعين الشعب ولا سيما ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية). وكما لا يخفى مرة أخرى على من ألقى السمع وأجال البصر والنظر في الدلالة ذات المغزى البعيد المدى لهذه الرسالة، فإن الجرائم التي أشار لها المهدي هي ذاتها الموجهة من جانب هذه المحكمة الجائرة في اتهاماتها المعادية ومزاعمها الزائفة وادعاءاتها الباطلة الموجهة من قبلها ضد السيد رئيس الجمهورية المشيرعمر البشير. ثم يختتم المهدي رسالته بقوله: (إنني باسم شعبي أقابل بسرور عظيم موقفك وأهنئك وحكومة وشعب كينيا على قراركم الذي يدعو للاحترام)، وتنتهي الرسالة بتوقيع الصادق المهدي الذي وصف نفسه ب «المخلص». وتجدر الإشارة إلى أن الكاتب الصحافي الأستاذ يوسف عبد المنان كان قد علق على هذه الرسالة في عموده اليومي بالزميلة صحيفة «المجهر» الصادرة أمس الأول تحت عنوان «المهدي في محنته»، حيث أعرب في تعليقه عن استغرابه للسبب الذي جعل المهدي يجد في قبول الرئيس الكيني بالخضوع للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية ذريعة لتغيير وتعديل موقفه الوطني السابق والشهير المتمثل في رفضه للموافقة على خضوع الرئيس البشير للمثول أمام هذه المحكمة. بل وحرصه على تقديم مقترحات وطنية أخرى يرى أنها صالحة للخروج من هذه المسألة المحرجة والحرجة بمعالجة ناجعة وقائمة على الالتزام بالاحترام للسيادة الوطنية ورفض أية محاولة للتآمر عليها من جانب جهات أجنبية معادية تسعى لتعريضها لأية إهانة مذلة لها. وفي سياق ذات الإطار للرؤية النابعة من مواقف وطنية صادقة وداعمة لقرارات القمة الإفريقية الجماعية الرافضة للاستجابة لما تسعى له هذه المحكمة في استهدافها للرؤساء والزعماء الأفارقة على النحو الذي لم يعد يخفى على أحد لدى المراقبة والمتابعة لما قامت وتقوم به في أفعالها وأعمالها التي تولت الاضطلاع بها منذ إنشائها وحتى الآن. وتحت عنوان: «المهدي.. محل ما تمسى ترسى» أبدى الكاتب الصحافي الأستاذ حسن إسماعيل في عموده اليومي بصحيفتي «التيار» و«المستقلة» الصادرتين أمس استغرابه لموقف المهدي الذي يدعو للدهشة فيما يتعلق بالقدرة على التغيير والتبديل حسبما يقتضي واقع الحال الكيدي في النشاط السياسي الجاري، وذلك على النحو الذي يتضح في رسالته المشار إليها للرئيس الكيني. ويبقي السؤال هو إلى أي سبيل يمضي المهدي بعد نسفه لجسور الحوار الوطني مع البشير؟!