إذا كان المصريون يسخرون أثناء زيارة البشير من السودانيين الذين يطالبون باسترداد أرضهم في حلايب وشلاتين، ويقولون إن السودان أضاع جزءه الجنوبي ويبحث عن ضم حلايب، فإن الرد على هذه «المسخرة» المصرية ليس صعباً. فالسودان يرى أن حلايب سودانية إثنياً وتاريخياً وجغرافياً مثل مناطق النوبيين جنوب منطقة أسوان، لكن الجنوب قد ربطه الاحتلال البريطاني بعد حملة كتشنر وونجت باشا بالسودان الحالي، لعدم ضرورة إرسال حاكم عام آخر غير الذي في الخرطوم إلى ملكال أو واو أو جوبا. والاحتلال البريطاني لم يراع التركيبات الاجتماعية والإثنية في مناطق كثيرة وهو يقوم بترسيم الحدود، فقد قسم النوبيين إلى جزءين ووزعهم في وطنين، وطن أعزهم هو السودان الذي تغنى له الفنان النوبي العملاق محمد وردي، ووطن أذلهم وهمشهم حتى أصبح أنموذج المهن الهامشية منهم وهو مصر. ولو كان الاحتلال البريطاني قام بضم أرض حلايب إلى مصر وهو يقوم بترسيم الحدود القطرية لمستعمراته لوجد البشاريون هناك وكل سكان حلايب الأصليين «السمر» ما وجده النوبيون جنوبأسوان من إهانة اجتماعية وإذلال حتى في المسلسلات والأفلام والمسرحيات المصرية، انظر الى توضيح الأوضاع الاجتماعية للنوبيين. كذلك سيكون هذا مصير البشاريين إذا انضمت أرضهم إلى مصر. سينضم البشاريون إلى قائمة المصريين المضطهدين مع النوبيين وعرب صحراء سيناء، وكل ما في أحشاء أرضهم البجاوية ستذهب عوائده إلى رفاهية «المصري الأبيض» في القاهرة والإسكندرية.. نعم حلايب سودانية يا هؤلاء، و«الجنوب» ليس سودانياً. سكان حلايب من البجا فكيف لا تكون أرضهم سودانية. لكن سكان الجنوب وكل قبائله لا يربطهم رابط بسكان الشمال، بل إن بعض القبائل الجنوبية لها امتداد ببعض سكان جنوب وغرب إثيوبيا مثل النوير. كنت أود أن أعلق على قوة التكامل الاقتصادي بين السودان ومصر في أجندة زيارة الرئيس البشير إلى القاهرة في هذين اليومين، لكن السخرية من الرئيس السوداني، واعتبار الحرص على جنوب السودان أولى منه على حلايب، كل هذه «الورجقة الفارغة» تجعلنا نتحدث هنا عن أهم دولة جارة للسودان من الناحية الاقتصادية. إن جنوب السودان هذا يبقى من الناحية الاقتصادية أهم من مصر بالنسبة للسودان طبعاً، لأن الأخير يستفيد من تمرير نفطه، وإن كانت مشكلة «أبيي» تبقى مماثلة لمشكلة «حلايب»، فأبيي التي يقطنها عرب المسيرية، وهي من قبلهم أرض نوبة وداجو، تدعي حكومة الحركة الشعبية تبعيتها لمناطق قبيلة جنوبية. ويلي جنوب السودان أو يليه هو في الأهمية الاقتصادية بالنسبة للسودان الجارة اثيوبيا طبعاً بعد الفراغ من تشييد سد النهضة العظيم الذي سيفيد السودان مثلما يفيد السد العالي داخل أراضي النوبيين السودانيين مصر. زيارة البشير إلى مصر لا تزيد أهميتها وقيمتها الدبلوماسية على أية زيارة يقوم بها إلى تشاد أو افريقيا الوسطى. لكن متطلبات الساحة الدولية تقتضي أن يهتم السودان بالجارة الشمالية، لتقليل آثار العدوان الدولي، باعتبار أن القاهرة التي ضحى فيها العسكر بالديمقراطية تلبية لرغبة غربية وصهيونية، اتخذت أهمية إقليمية في نظر الغرب لتجاوبها مع أطماعه على حساب مصالح وكرامة الشعوب العربية. ثم يكثر الحديث هذه الأيام عن جعل منطقة حلايب منطقة تكامل حرة بين البلدين، لكن السؤال هل ستقسم بين البلدين كما قسمت منطقة النوبة وأصبحت قسطل السودانية غير سودانية، أم أنها ستخضع للحكم المصري؟ إن الصحيح هو إثبات سودانية حلايب لو زهدنا في أرض النوبة الشمالية أو جهلنا تاريخها.