ذكر الكاتب الصحفي حسن إسماعيل في عموده اليومي «هذا قولي» بصحيفتي «التيار» و«المستقلة» مؤخراً أن الوزير الحالي والقيادي السابق في حزب الأمة القومي أحمد بابكر نهار كان مكلفاً في مرحلة مبكرة من حقبة السلطة الحاكمة القائمة، التي جاءت إلى سدة مقاليد الحكم عام 1989م بانقلاب ثوري مدني وعسكري قامت به النخبة السودانية في الحركة الإسلامية الحديثة والمعاصرة، بالإعداد لمقاومة عسكرية مناهضة لهذه السلطة الراهنة وهادفة للإطاحة بها. وعندما بلغ ذلك الإعداد للمعارضة والمناهضة العسكرية درجة متقدمة نتيجة للجهود المخلصة والمكثفة التي بذلها نهار في سياق الاستجابة للمهمة الصعبة التي تحمل تبعاتها القاسية في ظروف ضاغطة وخطورة بالغة الحدة وشديدة الوطأة، كانت المفاجأة الصادمة والفاجعة له هي أن كل الذي تفانى فيه وتمادى في سبيله، وكان من الممكن أن يضحي بنفسه ويزهق روحه من أجله، قد أضحى مجرد أضغاث أحلام متوهمة وأعمالاً مهدرة بلا طائل من ورائها حيث جرى إبلاغه من جانب القيادة العليا للحزب في خاتمة المطاف ولدى الاقتراب من نهاية الطواف، بالتوقف عن العمل الخطر الذي كان مكلفاً به ومنهمكاً فيه. وكما ورد في العمود الصحفي المشار إليه والذي جرى نشره في الأيام القليلة المنصرمة، فقد ذكر نهار عندما أجاب عن سؤال عن الأسباب التي دفعته إلى المشاركة في الانشقاق عن حزب الأمة على النحو الذي جرى بقيادة مبارك الفاضل المهدي في النصف الأول من العقد الماضي، ثم في القيام بالإقدام على الانشقاق حتى على حزب الإمة الإصلاح والتجديد بزعامة مبارك الفاضل في مرحلة لاحقة، أجاب عن ذلك السؤال بقوله إنه أقدم على ما قام به بعد أن «كسر البخسة» وكما لا يخفى فإن هذا تعبير يشير فيما ينطوي عليه من معنى، إلى أن نهار قد فوجئ بمدى حالة الفراغ الموجودة داخل حزب الأمة على مستوى القيادة العليا، بينما يسود اعتقاد متوهم لدى الأنصار المؤيدين والخاضعين والتابعين لها بأنها ممتلئة ومقتدرة وممتلكة للكفاءة اللازمة والتي لا غنى عنها ولا مناص منها ولا سبيل بدونها لإثبات القدرة على أداء وإنجاز الآمال الكبيرة المعلقة عليها والمتعلقة بها. وكما لا يخفي على أحد أيضاً فإن هذا التعبير الذي يشير إلى أن من «يكسر البخسة» في حزب الأمة، كما فعل نهار، ستكون المفاجأة الصادمة والفاجعة له هي أنه سيجدها فارغة من حيث المحتوى والمضمون المأمول فيها، والذي كان يظن ويتوهم ويحلم بأنه موجود ومدخر، داخلها فيما يتعلق بمدى ما لديها من قدرة فاعلة ومقتدرة على الفعل الثقيل الوزن والشديد الوطأة في ترجيح الكفة لصالح ما تسعى له وتعمل من أجله ويتفاني في سبيلها المناصرون لها والمعولون عليها والمنتظرون لتحقيق الآمال التي يعتقدون أنها مقتدرة على القيام بها والاقدام عليها وتجسيدها وتنفيذها وتطبيقها منجزة على أرض الواقع الفعلي بكفاءة عالية ومهارة فائقة، وذلك وفقاً لما يتم تصويره وتسويقه وتذويقه لهم في سياق الأحلام المتوهمة. وبالطبع فإن هذا هو المعنى نفسه الذي يشير إليه وينطوي ويحتوي عليه المثل الشعبي السوداني في تعبيره عن الخبرة والحكمة المستمدة من التجربة العريقة والعميقة والمخضرمة والمتوارثة على مدى الأجيال المتعاقبة، حيث يُقال على سبيل المثال في سياق هذا الإطار للتعبير عن الآمال والأحلام والأوهام المحبطة والمجهضة، لأنها لم تكن أصلاً قائمة على سياق ثابتة وراكزة وداعمة لها بأعمال حقيقية وفعلية، إن الذي يرى القبة السامقة وأضواءها اللافتة، وما يحيط بها ويسود في الأحلام المتوهمة والمتعلقة بالتعويل عليها، يظن أن هناك في داخلها فكي فعلي وحقيقي، بينما الحقيقة الصادمة والفاجعة هي أن مثل هذا النوع من الظنون المعتقدة والمفتقرة للوعي والحكمة والفطنة إنما ستبقى مجرد أوهام سائدة ومعبرة عن الغفلة ومفتقدة لليقظة المنتبهة والرؤية الثاقبة والبصيرة النافذة والإرادة الصلبة والمستنيرة. وكما قال رب العزة والجلال في محكم التنزيل الذي أوحى به لخاتم الأنبياء والمرسلين فإن «من يهدِ الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً» صدق الله العظيم