لقد مارس المؤتمر الوطنى نمطاً من الشورى، مهما يقال عنه أو يتعرض له المتعرضون من قدح ونقد، فهو أنموذج لديمقراطية قلّما نجد مثيلاً لها فى أحزابنا الوطنية، أو فى الممارسات الشبيهة بالمجتمع الإقليمى العربى والإفريقى. وقد يقول قائل، لماذا لا تكون الشورى أوسع من ذلك لتطرح الأسماء الفائزة الثلاثة أمام المؤتمر العام، وهو قول فيه بعض المنطق، ولكن لا يمكن لأحد أن يفترض هذا الفرض ليصبح أمراً لازماً وعنصراًً واجباً، وذلك لأن الصيغ إلتى تعرض للممارسة الشورية قد تختلف من حزب إلى حزب، ومن تقدير إلى آخر، وتلك الصيغة إلتى اعتمدت بشورى المؤتمر الوطنى لترشيح شخص واحد ليست هى نهاية المطاف، باعتبار أن هذا المرشح الوحيد من قبل جسم شورى نوعى، سيكون مجالاً لرأى أكثر من خمسة آلاف شخص، ليس من السهولة قيادتهم أو استمالتهم، بل سينفتح الباب واسعاً لكل عضوٍ ليدلي برأية فى مساحة لا يمكن إحاطتها بأوامر تصدر، أو حبال مقيدة بأوتاد لا يسهل الفكاك من أربطتها وعقالها. والتمرين القادم لاختيار أو رفض مرشح الشورى لرئاسة الحزب والدولة، هو تمرين تحيط به الكثير من المحاذير، وأن نتيجته هى التى ستسفر عن بقية الخطوات، فإما أن يجيز المؤتمر العام مرشح الشورى بنسبة عالية «50% + 1» أو تبدأ إجراءات جديدة بإضافة الثانى والثالث للمرشح الأول، لتدور المنافسة بين ثلاثة مرشحين، وهنا تأتى المفارقات وتختلف التوقعات. ودعونا لا نستبق الأحداث، أو نتكهن بنتيجة هى ليست فى مطبخ أحدٍ ليطبخها كيف شاء، لأن الأمر لأهل الصلاحية الذين فوضتهم المؤتمرات الأدنى للمؤتمر العام، لينقلوا رأى القاعدة، وأبزر رأى لتلك القاعدة سيتضح عند ما تظهر النتيجة النهائية، إما بفوز المرشح الذى اختاره مجلس الشورى وبالتالى كفى الله المؤمنين القتال، أو ننتقل إلى تمرين أصعب، وهو أن يتنافس الثلاثة الأوائل، وهنا ستكون النتيجة إما بتثبيت ما رأته الشورى أو بغير ذلك مما سيجلب الكثير من المفاجآت، ونسأل الله ألا نفاجأ بما ليس هو فى الحساب. وتسرى شائعات فى الأوساط العامة، بالنظر إلى ما حدث بشورى المؤتمر الوطنى، بأنّ خلافاً بين قيادات المؤتمر الوطنى حول مرشح الرئاسة قد يقود نحو إنشقاقات وتصدعات، دون أن يعلم من يبثون مثل تلك الشائعات أن هذا الحزب ليس حزباً تقوده شخصيات مقدسة تتوسل بالطلاسم جاعلة من بقية العضوية حلقات مثل حبات المسبحة لا تختلف فى شكلها ولا لونها. والحقيقة فإن المؤتمر الوطنى، قد عانى فى الفترات الأخيرة من بعض الأدواء إلتى كرست شيئاً من الجهوية، وشيئاً آخر من القبلية، وقدراً من توجهات المصلحة، ومن انضموا إليه لأسباب لا تمت إلى المبادئ وعقيدة الحزب بقدر ما هى لنيل مطامحٍ بحكم أنه الحزب الغالب الذى يمكن امتطاء صهوته، وصولاً إلى مغنمٍ عاجل أو مكسب رخيص. وهذه العلة الأخيرة، لحسن الحظ، قد شعرت بها القيادة، مما أدى إلى حراك واسع أثمر ما حوته وثيقة الإصلاح الحزبى، وهو الإصلاح الذى بموجبه بدأ البناء القاعدى للمؤتمر الوطنى، وأفرز تلك الممارسة الشورية الأخيرة إلتى مازال البعض غير راضٍ عنها، لكننا نقول بأن مشوار المليون ميل لا يبدأ إلا بخطوة واحدة، وما حدث فى التقدير التحليلى، قد يمثل مئات الخطوات إن لم يكن آلافها. والشورى الأنموذجية إلتى يهفو إليها، خاصة أصحاب المبادئ والفكر الذى نشأ عليه المؤتمر الوطنى، ستصبح هدفاً قاب قوسين أو أدنى إن كان المسعى سيتخذ من مسار الشورى طريقاً، وفقاً لما شهدناه من صيغه، وذلك لأنّ الشورى مربط الفرس فيها إرادة الاستمرار والإصرار، وليس إرادة قطع الطريق ونسف المكاسب. ودعونا نثبّت القواعد، ونوالى الممارسة، لنرسى دعائم نظام شورى يضمن لنا تبادل الأدوار وتواصل الأجيال، ولا نضطر فى مرحلة من المراحل لوضع رجل فى غير مكانه، أو استعجال هدفٍ دون الإيفاء بالذى يقتضيه تحقيق ذلك الهدف من مطلوبات. وإن وضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى