٭ يقول البعض إنّ حركة الإصلاح بالمؤتمر الوطنى ما كانت إلا نتيجة لضغط الشباب وما شهدته أروقة الحزب من ململة ومطالبات بضرورة تنحى القيادات التاريخية والقديمة، خاصة تلك التى ظلت على سدة القيادة لفترات طويلة. وآخرون ينحون منحى آخر برد الأمر إلى مراجعات كانت تجرى على قدم وساق أفرزت أخيراً ما سمى وثيقة الإصلاح. ولو أن الذين انشقوا عن المؤتمر الوطنى وأسسوا حزباً باسم «الإصلاح الآن» انتظروا قليلاً، لما احتاجوا إلى تلك الزوبعة التى وضعتهم فى خانة الذين قفزوا من السفينة وهى على وشك الرسو فى بر الأمان. ٭ ومنذ اعتماد وثيقة الإصلاح من قبل مؤسسات المؤتمر الوطني، ظلّ فريق يراقب ما سيحدث وفريق آخر يتعجل تطبيق الوثيقة بحذافيرها، مما عكس حالة من الشك، إثر الإجراءات إلتى نفذت بخروج الكبار وتقديم استقالتهم. وكان من المؤمل أن يمضى المؤتمر الوطنى قدماً فى عمليات الإصلاح، غير أنها بدأت تتوقف أو تسير بشكل بطيء، الأمر الذى بُرّرِ بانشغال قيادات المؤتمر الوطنى بمبادرة الحوار مع الأحزاب والمجتمع، بحسبان أن مخرجات ذلك الحوار ستصبح جزءاً غير يسير مما نصت عليه الوثيقة الإصلاحية. ولقد أوضحت مؤشرات انعقاد المؤتمرات المختلفة بمستوياتها الدنيا والعليا للمؤتمر الوطنى، أن وثيقة الإصلاح كانت حاضرة من خلال ما طرح من أوراق. وما دار من نقاش، غير أن النتائج التي تم التوصل إليها والخاصة بالتصعيد من أدنى إلى أعلى وأيضاً ترشيحات هيئات الشورى الولائية للولاة، فى الفترة القادمة، قد عكست أن أمر الإصلاح ليس نزهة خلوية أو إجراءات يحيط بها اليسر لتتنزل مضامين ذلك على أرض الواقع. وفى شأن التصعيد كان هنالك من يؤمل بأن تجرى العملية تحت الضوء بالانتخاب الحر المباشر دون أن تطبخ القوائم وتتلى على المؤتمرين ثم يبصم عليها من قبلهم كالعميان. أما ترشيحات الولاة من قبل مجالس الشورى الولائية والدفع بهؤلاء المرشحين للمؤتمرات ليتم الاختيار، فهى كذلك قد جوبهت بانتقادات أولها أن مجالس الشورى ليست هى العالمة بالكوادر، كما أنها تنظر إلى أسماء على السطح ولا تسبر الغور. وإن كانت هناك من صيغة مثلى، فالأولى لتلك المجالس أن تستعين بقاعدة بيانات لكل الشخصيات البارزة والفاعلة، دون أن تقيد بعدد ثم يأتى المؤتمر العام بكل ولاية بمن يأنس فيه الكفاءة للترشيح لمنصب الوالى. ولكن قد يقول البعض إن مثل هذا الإجراء قد يحدث فى زمان آت وليس الآن. وذلك عند ما يكون الاختيار لمجالس الشورى لمن تطلب منهم الشورى. وأن ليس فى الإمكان الإ ما كان. والملاحظ أن التنافس الذى جرى بين الشخصيات المرشحة لمنصب الوالي بمختلف الولايات، قد انحصر إما بين الوالى الحالى وبعض الوزراء الذين شغلوا منصب الوزير الولائى، أو بينهم وبين الذين سبق وأن تولوا مسؤولية الوالى، مع دخول شخصيات هى كذلك ليست بعيدة عن الولاية المعنية، وهم من استطاعوا بحكم قربهم من أهل الولاية أن يصنعوا مركزاً تدعمه مجموعات وفئات فيها البريء وفيها الناشط فى مجال الاستقطاب والتأثير بالطرق على توجهات معينة، وليس لنا أن نبحر فى جوانبها. وعلى العموم يمكن القول إن التجربة إلتى تجرى حالياً قد خلقت حراكاً وتنافساً، برغم عدم انطباقه على ما كان يؤمل. لكنه يشي بأن الممارسة قد اختلفت وتحرك قطار الشورى والديمقراطية من محطته بخطوات يرجى منها أن تستمر. أو قد يعدل مسارها فى اتجاه التسريع بقرار سيكون بمعيار آخر أو قد ينقلب القطار فيأخذ اتجاهاً لم يكن فى حسبان أحد. وبالتاكيد فإن وثيقة الإصلاح هى الأكثر فهماً واستيعاباً لدى القيادة التى هى الأصل فى الصياغة والدراسة والتصميم. ومهما قدر المراقبون بمن فيهم عضوية المؤتمر الوطنى نسبة تنفيذ ما نصت عليه وثيقة الإصلاح بمختلف الصعد، فإن واقع الحال وما نلحظه من حراك وإصرار لارتياد مرحلة جديدة، كلها مؤشرات تدل على أن الإصلاح والحوار والاستفادة من الدروس وما جابهنا من تحديات، كلها تدل على أن المستقبل لهذه البلاد ليس مستقبلاً يمكن أن يقرره فرد أو مجموعة. ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وأمارات التغيير وعلاماته هى إلتى جعلتنا نذهب محللين ومفسرين. وليس هنالك دخانٌ بغير نار. سائلين الله أن تكون هى نار النور وليست نار الاحتراق.