كنتُ أمس (الأحد) مُستضافاً في برنامج "بعد الطبع" في فضائية النيل الأزرق، فطرحت عليّ الرسيلة شذى عبد العال مقدمة البرنامج سؤالاً مُهماً، لتحليل مضمون خبر بعنوان "غندور يُقر بوجود ممارسات خاطئة بالممارسة الشورية ل"الوطني"، وحرصتُ على أن أستعيرَ مقولةً شهيرةً للكاتب المسرحي النرويجي هنريك أبسون في ما يتعلق بتفسير النقاد لبعض أعماله، فقال إنه عليه أن يُبدع، وعلى النقاد أن يفسروا ذاك الإبداع. فمن هنا استوقفني ما جاء في الأسطر الأولى من خبر مفاده أن الأخ الصديق البروفسور إبراهيم غندور نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون الحزبية والتنظيمية، يُقر بوجود ممارسات خاطئة شابت الممارسة الشورية لحزبه، دون أن يخوض في تفاصيله. وأحسبُ أنه أراد بعدم الخوض في تفاصيل هذه الممارسة الشورية الخاطئة لحزبه، من باب "الشيطان في التفاصيل"، ولكننا نجتهد لتفسير المُفسر، وتفصيل المُفصل في هذه الممارسات الخاطئة، التي أحجم الأخ البروفسور إبراهيم غندور – عمداً - من ذكر تفاصيلها، خشية تعميق مفاهيمها الخاطئة، لدى أعضاء حزبه، وهي أن هذه الممارسات الخاطئة في الممارسة الشورية لحزب المؤتمر الوطني، - يقيناً - يرمي إلى ما اكتنفها من صراعات قبلية، وخلافاتٍ جهويةٍ، وتبايناتٍ مناطقيةٍ، جعلت من هذه الممارسة الشورية، مدخلاً للتنازع بين القبائل من خلال الدفع بأبنائها برضىً منهم أم كُرها، فمنهم من لم يستطع مجابهة هذه المُضاغطة القبلية بالعزوف عن ترشيح نفسه حتى ولو وصل إلى يقين العلم أن حظوظه كحظوظ من قال فيهم الشاعر السوداني العبقري إدريس محمد جماع: إنَّ حظي كدقيقٍ فوقَ شوكٍ نثروه ثم قالوا لحُفاةٍ يومَ ريحٍ اجمعوه صَعُبَ الأمرُ عليهم قلتُ يا قوم اتركوه إنّ مَنْ أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه من هنا نستطيعُ أن نقولَ بإن الممارسات الشورية لحزب المؤتمر الوطني، لم تقتصر على الصراعات القبلية فحسب، بل امتدت إلى اصطراعاتٍ جهوية، ومُضاغطات مناطقية، فخلصت هذه الممارسة الشورية إلى تصعيد خمسة مرشحين، ليست بالضرورة أن يكونوا محل توافق، ناهيك عن إجماعٍ من أهل الولاية. والغريب إن بعض من صُعدوا عبر هذه الممارسات الشورية الخاطئة كانوا محل اختلافٍ، وموضع خُلفٍ بين مواطني تلكم الولايات وجهات سيادية عُليا، ولكن بقدرةِ قادرٍ، صار بعض هؤلاء يشكلون منافساً قوياً لمنافسيهم الأُخر، ويتصدرونهم حتى وإن كان لأولئك قواعد شعبية تدفع بضرورة فوزهم في نهاية المطاف. وفي رأيي الخاص، أن الأخ البروفسور غندور، لمس بعض مواطن الجروح والقروح، عندما أعلن صراحةً أن هناك من يخترق اللوائح والقواعد التي تُحافظ على الممارسة الشورية. ودعا في غير مواربة أو غموض أنّ من يشعر بأن هنالك مخالفة في العملية الديمقراطية، ينبغي أن يطعن في الإجراءات، لكن بتقديم الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، عمّا يعتبره ممارساتٍ خاطئة تقدحُ في الممارسة الشورية لحزب المؤتمر الوطني. ولم يستند في أنّه إذا ما تكشَّف لقيادة الحزب مراجعة هذا الأمر، مُستعيراً المقولة الشهيرة للرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري – يرحمه الله - عندما قال: "ثورة مايو تُراجِع ولا تتراجع"، كم كان جميلاً من الأخ البروفسور إبراهيم غندور أن يأتي بمقولةٍ مخالفةٍ لتلكم المقولة النميرية، حيث "طالب من يشعر بأن هناك مخالفةً للمضي في العملية الديمقراطية إلى نهايتها، ثم يطعن، وليثبت بالدليل عن ممارسات خاطئة، فحينها والله قيادة حزبكم تتراجع وتُراجع". وهذه من مقولات حركة التغيير التي ينبغي أن يتصدر بها قياديو المؤتمر الوطني، نزولاً للنظم واللوائح التي أُقرت في ما سبق من مؤتمرات، وشكلت ضمانات أكيدة للمسار الديمقراطي في الممارسات الشورية في المستويات القاعدية والقيادية معاً. أخلصُ إلى أنه ليس المهم أن يكون هذا الخطاب التنظيمي قاصراً على المناسبة التي قيل فيها، ألا وهي عند مخاطبته المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني بغرب كردفان أول من أمس (السبت)، ولكن أحسبُ أن المهم منطلقات هذا الخطاب في تنظيم ممارسات شورية صحيحة لحزب المؤتمر الوطني، تنأى بنفسها عن ما شابها طوال الأسابيع الماضية من احتدام الخلاف، وشدة وطأة الخُلف بين أعضاءِ حزبٍ واحدٍ، في ولاية واحدةٍ، كان يفترض أن يُغلِّف هذه الممارسات شيءٌ من الإيثار والتضحية، ونكران الذات، وتقديم الرجل المناسب في الزمن المناسب للموقع المناسب، وهي للأسف قيم غابت في الممارسات الشورية لحزب المؤتمر الوطني في العديد من ولايات السودان المختلفة مؤخراً. ولا ينبغي أن يحدث قدراً من التزاحم والتدافع إلى المناصب العليا في تلكم الولايات بالقول دون العمل، وبالقبيلة لا بالكفاءة؛ لأن هذا مما يمقته سبحانه وتعالى، ويأمرنا ألاّ نقول ما لا نفعل. فمن هنا من الضروري أن يتقدم العمل على القول بالصدق كله، والتجرد والإخلاص والعطاء غير المحدود. وهذا المأمول من هذه القيادات المتنافسة بالنسبة للقواعد المنتظرة من جماهير الولايات، عبر انتخاب الولاة بواسطة شورى القواعد والقيادات. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ". وقول أمير الشعراء أحمد بك شوقي: إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما وَأَينَ ذَهَبتُمُ بِالحَقِّ لَمّا رَكِبتُم في قَضِيَّتِهِ الظَلاما لَقَد صارَت لَكُم حُكماً وَغُنماً وَكانَ شِعارُها المَوتَ الزُؤاما وَثِقتُم وَاِتَّهَمتُم في اللَيالي فَلا ثِقَةً أَدَمنَ وَلا اِتِّهاما