في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام للمؤتمر الوطني، دفع الرئيس عمر البشير بإشارات واضحة في اتجاه مراجعة النظام الفيدرالي وتقييم تجربته. وكان واضحاً عندما قال ان الفيدرالية انحرفت وأحدثت نتوءات مجتمعية وجهوية، ومؤشر الرئيس يتجلى في أبشع صوره في عملية تعيين الولاة والجدلية حولهم، وهل ستبقى التجربة انتخاب كما هي الان، ام تعاد للرئيس السلطات في التعيين ليسهل عليه عملية المتابعة والمراجعة والمحاسبة؟، حيث إن انتخاب الولاة بالتجربة العملية اثبت فشله ومكن للأشخاص اكثر من ما يمكن للنظرية، بل بعضهم تفرعن على السلطة المركزية بحجة انه جاء من قبل قاعدة جماهيرية، برغم انه يحسب من افشل الولاة وما يدار من حديث بان انتخابات الشورى الاخيرة أفرزت جهوية، ومن الضرورة اجراء عملية تبديل للاشخاص الذين سيتم اختيارهم ويدفع بهم الى ولايات اخرى، فهذا حديث يثيره الولاة الذين تأكد خروجهم من المنافسة وذلك لتفويت الفرصة على آخرين من ابناء ولاياتهم كي لا يجلسوا على كرسي الولاية، ولا اعتقد ان هذا هو اساس القضية والمطلوب هو اجراء مراجعة لتجربة النظام الفيدرالي، الذي تشوه الان واصبح معضلة في طريق الاصلاح وفي كل العالم تنص القواعد والدساتير والانظمة الديمقراطية بان الأكثرية هي التي تحكم، اما الأقليات فيكون لها حقوق يجب ان تراعى بما يحفظ وجودهم وتحقيق آمالهم وطموحاتهم، الا في نظام انتخاب الولاة اصبحت الأكثرية لها الحقوق والأقلية لها الحكم داخل الحزب لانها مجموعة محدودة تراضت مصالحها وبيدها المال وأدوات الحكم، حتى التصعيد في الحزب اصبح وفق هذه المصالح بعض الولايات صعدت تجار لديهم شركات تنفذ في مشاريع بولاياتهم وهم لا علاقة لهم بالحكم، وتجد رئيس هيئة برلمانية بتشريعي ولائي اورئيس شورى ولائي غير مصعد لانه غير مرغوب فيه، راجعوا كشوفات المصعدين من الولايات ستجدون العجائب والتناقضات وحتى يحسن الاداء بالولايات، فضلاً عدلوا الدستور واعيدوا سلطة تعيين الولاة للرئيس حتى تخرجوا التجربة الفيدرالية من سيطرة الولاة المنتخبين، التي أدت الى انحسار إيجابية الفيدرالية واشتعلت الحروب في الأطراف بسبب ممارسات بعض الولاة، ويعملون خارج استراتيجة الدولة هذا يضاف الى التراجع عن سياسة ومنهج التغيير والاصلاح ومحاولة الالتفاف على تجربة الشباب ومحاولة عودة الامور والتمسك بنهج الحرس القديم، وهذا الالتفاف بدأت تصاغ له الشروح والتبريرات لان مقومات التجربة اذا استمرت سوف تكشف ضعف بعض القيادات وتظهر رموز وقيادات جديدة متفهمة بمطلوبات المرحلة و لديها قدرات ويبقى من الضرورة بمكان ان يتم تسوير التجربة الشبابية وحراستها من الالتفاف عليها، وهذا لايتم الا وفق رؤية واستراتيجية محددة وليست مجرد انحراف نحو التغيير فإذا ترك الامر وحدث تقويض لتجربة الاصلاح سوف يحدث مالا يحمد عقباه ويخرج متطرفون بجانب الهجرة الى تنظيمات اكثر تطرفاً، هذه بعض التحديات التي يتطلب ان ينظر فيها المؤتمر ومخرجاته وما يليه من ترتيب لان التجربة التي أرساها المؤتمر الوطني غير مسبوقة في العمل السياسي بالبلاد، واكثر ما أعجبني مشاركة رموز كانوا قد انزووا في المرحلة السابقة و تفرقوا لشأنهم الخاص أبرزهم الفريق اول صلاح قوش مدير جهاز الأمن السابق ومستشار الرئيس السابق لشؤون الأمن، والذي جاء امس الاول طائراً من عاصمة دولة الجنوب جوبا للمشاركة في المؤتمر وترشيح الرئيس البشير كما صرح هو شخصياً لصحيفة «السوداني» وكان حضوره لافتاً وخاطفاً للأضواء واللافت جلوسه على المقاعد الخلفية للقاعة في تواضع تام، ولكن اللافت في تصريحه حديثه بانه جاء يحمل ديباجة الولايات بمعنى انه مصعد من مروي برغم ان الإيجابية تتجلى في ان يأتي من ولايته ولكن حديثه يحمل عتاباً وصوت لوم على الحزب باعتبار انه شخصية قومية وقوله بالنص «الرئيس البشير حرسته لمدة عشرين عاماً وأعرفه جيداً وهو لامثيل له وهو الخيارالأوحد لقيادة البلاد»، هذا الحديث للحصيف يؤكد ان قوش زعلان والا فان البشير لايحتاج لكل هذه التزكية وان قوش حرس الرئيس نعم ومعه رجال آخرون صادقون مثله، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا وان الحقيقة التي لا ينكرها احد ان صلاح قوش رقم في الانقاذ، ورجل له كسب وسهم ولكن هذا لا يبرر له اذا أزيح وجيء بقيادة اخرى غيره ان يتحفظ عليهم، لان ذلك سيفقدهم الوقاروالتقدير له وأأمل ان يكون حديث قوش بحق البشير حديث صدق ونابع عن قناعة وليس للاستهلاك السياسي والإعلامي، اما تعليق قوش بان حضور الدكتور الترابي يكشف بوجود تفاهمات عميقة بين البشير والترابي وتوقعه بان تؤتي ثمارها قريباً فهذا مؤشر صحيح، وتنبؤ اقرب للحقيقة، سيما انه نابع من رجل مخابرات خطير مثل صلاح قوش وحقيقة الامر ان مهندس التفاهمات بين البشير والترابي هو البروفسير ابراهيم غندور، اما الحضور الملفت كان للشيخ علي عثمان محمد طه، الذي حضر بعد غياب طويل عن كل المؤتمرات القاعدية والقطاعية ولعله بجلوسه على كراسي المتفرجين والحزب يعقد مؤتمراته قد أخذ التقدير والتقييم الحقيقي لحركة حزبه والدولة، ويبقى حضوره امس الاول جدير بالتحليل والقراءة لان حول الرجل كلام كثير وانه أزيح بمؤامرة، وبالتالي اصبح غير مهتم في توقيت فائق الأهمية ويتطلب وجوده والفترة المقبلة مطلوب من الشيخ علي عثمان حديثاً واضحاً للاعلام والرأي العام ماذا يخبئ في جعبته من مفاجآت..؟؟ وما هو رأيهم الاستشرافي للدولة والحزب؟ والى اين تتجه بوصلة الانقاذ بعد ربع قرن من الزمان وهي تبحر في بحر هائج وليل مظلم؟ وعلي أية حال فان المرحلة المقبلة تحتاج الى تشريح وتحويل الخطب وحديث الغرف الى عمل يستشعره المواطن السوداني الذي أنهكته السياسة، سيما ان دكتور الترابي قد بشّر بانفراج قادم.