رغم المحاذير الكثيرة من التبذير في القرآن الكريم والسنة النبوية، بل وتجلى وصف الله تعالى في وصفهم بأبشع صفة للمسلم حين قال في محكم تنزيله «إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين»، وصدق المولى عز وجل في ذلك الوصف، وهنا ليس هو حدث منه على البخل وكنز الأموال، بل الاعتدال في الصرف. ولكن هناك الكثيرون مما يبحثون من خلال تلك العادة السيئة عن التباهي وهو ما يعرف محلياً «بالبوبار» وإيهام الناس بأنهم كريمرت أو ميسورو الحال، فليس هناك جدوى من التبذير سوى ضياع الأموال، وهناك بعض الفرص التي قد يجدها المبذر فرصة ثمينة لعرض إمكاناته وقدرته العالية على التبذير، وهي المناسبات الاجتماعية التي يكون فيها أكبر عدد من الناس وتجمهر كبير، سواء كانت مناسبة سعيدة أو حزينة فهي لا تفرق معهم، بل يكون همهم الأول هو التظاهر والتباهي من خلال التبذير، وهو ما ذهب له الكثيرون من الذين استطلعناهم عن الموضوع: بعد عن الدين وكانت البداية مع عبد الحميد مصطفى الذي قال: كل شخص لا يتعب ولا يبذل جهداً كبيراً في جني الأموال ينفقها، وأعظم المبذرين لا يحبون العمل، بل يحصلون على المال دون جهد أو عناء، ومعظمهم يعملون في مهن تحوم حولها الشبهات مثل السمسرة والمضاربات، حيث يجنون مبالغ كبيرة دون أي جهد، ولهذا ينفقون إنفاق من لا يخشى الفقر. وقالت حنان: تعود الكثير من الأسر على تبذير كل مدخراتها عند حدوث أول مناسبة، فتكون تلك بمثابة فرصة لهم لاستعراض عضلاتهم، فيسارعون إلى التبذير حتى أن الواحد أصبح منا لا يفرق بين صيوان العزاء وصيوان الفرح إلا من خلال الوجوه فقط، ولكن تتشابه في كل شيء، وهي من أكثر مظاهر التبذير وضوحاً، حتى ولو اضطروا للاستدانة بغية الظهور بمظهر أفضل. وقالت سوسن يوسف إن الابتعاد عن الدين والسعي وراء بعض المكاسب الصغيرة في الدنيا هو ما جعل الناس يبذرون وينفقون الأموال في الملاهي والتفاهات، لأن أي مال ينفق في شيء مفيد لا يعتبر تبذيراً، فمثلا اذا تبرع شخص لجمعية خيرية بمبلغ ضخم فذلك ليس تبذيراً، ولكن إذا أحيا نفس الشخص حفلاً كبيراً يعتبر ذلك تبذيراً، ولهذا أي مبذر مهما كانت مكانته العلمية والاجتماعية فهو إنسان جاهل وبعيد عن دينه. وذكر محمد عبد الله أن السودانيين يحبون التباهي كثيراً وخصوصا في المناسبات، فحكي قصة صديقه الذي كان لا يمتلك أي مبلغ من المال وكان عاطلاً عن العمل، وذهب لمناطق الذهب وكان حظه أوفر فعاد بمبلغ جيد، فبدلا من استثماره بصورة تحسن من وضعه هو وأسرته، إلا أنه قام بتبذيره كله في حفل زواجه، حتى ظن الجميع أنه أحد رجال الأعمال، وظن أنه عندما يرجع لمناطق التنقيب سوف يرزق مرة أخرى، ولكنه لم يجد حتى القليل، ورجع لما كان عليه وتركته زوجته لأنه لم يستطع الإنفاق عليها. هجوم عنيف والتبذير من سمات الكثير من الشباب الذين يعملون في الخارج، خاصة عندما يأتي الواحد منهم لقضاء الأجازة فيقوم بتبذير ما جمعه في عدة سنوات في عدة أسابيع، ويرجع بعدها لا يملك شيئاً، بل أن بعضهم يدخل في ديون ويقوم باقتراض المال من رفقاء العمل، ويرجع لمكان عمله وهو مثقل بالديون، وهو ما تطرق إليه صالح حيث قال: معظم المبذرين يكونون من المغتربين الذين يعملون في الخارج، حيث يظن بعضهم أنه ليس لديه ما يخشاه وينفق بسخاء دون أن يسأل نفسه لماذا أنفق وكم تبقى له، فهم لا يضعون أية أولويات ولا يعدون الميزانيات، بل يحاولون إظهار أنفسهم.. «التفشخر» على الفاضي. فيما قالت سمية المختار إن المبذرين هم أناس في غير مستوى المسؤولية، ولا لما كانوا يبذرون أموالهم بتلك الطريقة، والغريبة أن مثل هؤلاء الأشخاص يكونون محبوبين في المجتمع وينظر لهم بنظرات الإعجاب والثناء، مما يدفعهم للتمادي أكثر في التبذير، وذلك يجعل الكثيرين يقومون بالاقتداء بهم بحثاً عن الشهرة والإعجاب في مجتمعهم المصغر. وكان رأي عاطف احمد أقل حدة من سابقيه، وقال: ليس كل من ينفق المال مبذراً، فهناك من يحاول التعويض لأهله خاصة إذا كانوا يعيشون في أوضاع معيشية ولا يفكرون بأنانية مثل الكثيرين الذين يتوسع لهم الرزق فيتجاهلون من حولهم ويفكرون فقط في أنفسهم، فيكنزون الذهب والفضة. وذهبت ناهد علي لنقطة مهمة، وهي أن كل شخص يشعر بالأمان الوظيفي والمادي ويدرك أنه سوف يتحصل على المال بصورة مستمرة يبذر الأموال، فليس هناك شخص عاقل يدرك جيداً أن هذا المبلغ لن يأتيه مره أخرى يقوم بتبذيره دون أن يحاول تأمين مستقبله، وبالرغم من أن المبذرين يمتلكون الضمانات المالية الكافية إلا أنهم في النهاية يندمون أشد الندم على كل قرش أنفقوه. رأي المختصين الأستاذة والباحثة الاجتماعية فدوى قالت: التبذير عادة ذميمة وغير محببة اجتماعياً ودينياً، ولكن هناك بعض قد التبس عليهم الأمر بين التبذير المضر وعدم البخل، فهم يقومون بالتبذير وهم لا يعلمون أنهم يبذرون أموالهم، بل يظنون أنهم يساعدون أو يعوضون من حولهم بعدما امتلكوا المال، وكذلك هناك من يبخل ويضيق على أهله بحجة عدم التبذير، ولهذا يجب توضيح نقطة مهمة، وهي أن أي إنفاق لا يعود بالنفع على الناس ولا يقضي حاجة ولا يحل مشكلة هو تبذير، فالتبذير هو إنفاق المال في ما هو غير مفيد للشخص ولمن حوله، وفي أشياء لا فائدة منها في الدنيا ولا في الآخرة.. ولعلم أي شخص فإن كل مليم سوف يُسأل عنه يوم القيامة أين صرفه.