كما أشرنا يوم الخميس الماضي، فقد بدا لنا الزعيم التاريخي للحركة الاسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة د. حسن الترابي عندما كنا نستمع ، ضمن عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، للإفادة المهمة التي أدلى بها في مساء اليوم الذي أصدر فيه السيد رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم المشير عمر البشير في ديسمبر الماضي قراره المثير بإقالة عدد من كبار المسؤولين القياديين من المخضرمين السابقين في الهيمنة والسيطرة على سدة مقاليد الأمور في الحزب والسلطة الحاكمة للدولة.. بدا لنا د. الترابي في مساء تلك الليلة وقد تخلص من المرارة التي كان قد اعتاد على أن يعرب عنها عندما يتحدث عن الذي جرى وأدى إلى ما أفضى إليه في أواخر القرن الميلادي العشرين المنصرم، وذلك فيما يتعلق بما حدث في ذلك الحين من مفاصلة وانقسام مرير في صفوف أعوانه السابقين الذين كانوا يعملون معه ويخضعون له ويستجيبون راغبين وراضخين لقيادته وزعامته للحركة الإسلامية ومقتنعين بها حتى تمكنت نتيجة لذلك من الوصول إلى سدة مقاليد الحكم والسيطرة على السلطة بهيمنة منفردة لدى نجاحها في الحصول عليها بانقلاب ثوري مدني وعسكري أقدمت على القيام به في العام 1989م. بدا د. الترابي في مساء تلك الليلة الفاصلة والحاسمة وقد تخلى عن أية نزعة للاحتفاء بما جرى لأعوانه السابقين من القياديين المخضرمين الذين كانوا قد اختلفوا معه وتخلوا عنه ووقفوا ضده وتصدوا له عندما حدثت المفاصلة بينه وبين الرئيس البشير في أواخر القرن الميلادي العشرين، حيث ظلوا مستمرين في ذلك الموقف ومتمسكين به ومتماسكين حوله منذ ذلك الحين وإلى أن صدر القرار الأخير للمشير البشير الذي أطاح بهم وأقالهم من مناصبهم السابقة في الحزب والدولة على النحو الذي جرى في ديسمبر الماضي. كما بدا د. الترابي في مساء تلك الليلة، وقد تخلى عن أية نزعة للتشفي من أعوانه السابقين على سبيل الانتصار لحظ النفس، لكنه بالطبع لم يترك تلك الفرصة دون أن ينتهزها كسانحة جاءت متاحة ومهيأة للتعبير عن السخرية اللاذعة والإشارة لمدى وجود حالة من قصر النظر الساذجة والعاجزة والقاصرة عن القدرة على الرؤية القائمة على بصيرة نافذة وثاقبة وراشدة ومهتدية أو نابعة من الهدى ومستمدة منه ومستندة ومرتكزة عليه بيد أنه ومن الناحية العملية وهي الأهم بالطبع، فقد بدا د. الترابي في مساء تلك الليلة وقد سيطرت عليه نزعة ورغبة أعرب عن أنه يرى أن الوصول إليها والحصول عليها وتنفيذها وتطبيقها وتجسيدها على أرض الواقع الفعلي والعملي قد صار ممكناً بعد الذي جرى وكان من الطبيعي والبدهي أن يفضي ويؤدي وينتهي في خاتمة المطاف ونهاية الطواف لما حدث في القرار المثير الذي صدر عن السيد الرئيس المشير عمر البشير في ذلك اليوم. وكما ذكرنا من قبل في سياق مثل هذه القراءة للإفادة المهمة التي أدلى بها د. الترابي في مساء تلك الليلة فيما يتعلق بالدلالة البعيدة المدى لذلك القرار، وما ينطوي عليه وما يشير إليه وما سيترتب عليه وينجم عنه وينتج منه على صعيد الوضع الداخلي الذي يعاني من التردي المزري في الحركة الإسلامية والحزب الحاكم والسلطة القائمة إضافة إلى المستوى السياسي على الصعيد الوطني والأصعدة المحيطة به على المستوى الخارجي الإقليمي والدولي وأطرافه ذات الصلة المؤثرة والمتأثرة والفاعلة والمتفاعلة والضاغطة والمتدخلة والمتداخلة، فقد أعرب د. الترابي في مساء تلك الليلة الفاصلة والحاسمة عن اعتقاده، بناء على مثل هذا الإطار للرؤية الشاملة والعميقة والمتعمقة في المقارنة بين الماضي والحاضر الآفاق المستقبلية المحتملة والمتوقعة، بأن السبيل الوحيد للخروج من المأزق الذي انتهت إليه هذه التجربة الحاكمة الراهنة سيكون عبر العودة إلى منصة التكوين من جديد ثم الإعداد لتدشين انطلاقة جديدة عبر ورشة يجري القيام في سياق تحول ديمقراطي تشارك فيه كل القوى الوطنية الأخرى. ونواصل غداً إن شاء الله.