تخون الإنقاذ فكرتها إن بقيت لها فكرة!! وهي تعمد إلى الإنزلاق في بيدر الطائفية القاحل، وتتلطخ بطين البيوتات التي أسهمت في تخلف البلاد وتأخرها عن اللحاق بركب الدول المتقدمة، ونحن من أوائل دول العالم الثالث التي نالت استقلالها وأرادت النهوض مثل طائر الفينيق من رماد نار الجهل والفقر والمرض والحرب. تخون الإنقاذ فكرتها، وترتد القهقري، وهي تدخل يد البلاد مرة أخرى في جحر الأفاعي والعقارب، عندما تنفخ الروح في جسد الطائفية السياسية الهالك، وتحاول إعادة البلاد ومواطنيها مرة أخرى، لسجون الإشارة وأصنام السادة وعهد الغيبوبة السياسية و «الغيبونة» الشعبية، وأصدق وصف قاله بالأمس القريب سوداني بسيط لا صلة له بالسياسة، وهو يتابع أخبار الحوار مع القوى السياسية والأحزاب والمحاصصات والأنصبة السلطوية بقوله: «لقد لفَّت الإنقاذ دائرة كاملة وعادت لنفس النقطة التي انطلقت منها في 30 يونيو 1989م.. لا شيء غير الفراغ العريض». هكذا تئد السلطة إنجازاتها، فهي لم تعد ثورة ضد الظلم والقهر والتبعية وتغييب الوعي.. ولم تعد نصيرة للمقهورين والمظلومين وعامة الناس وغمارهم، لقد حفظت الطائفية السياسية في محابسها وجمدتها في ثلاجاتها، ثم أطلقتها لهم من جديد أشد شرهاً وجوعاً وأكثر قبحاً!! لم تعد ثورة.. لأنها لا تتعامل مع حقائق الواقع ولا حيثيات السياسة ومقتضياتها وحساباتها الدقيقة، لقد تحولت لسلطة صماء صلدة، تريد فقط البقاء ولو ركبت على ظهر الطائفية أو ركبت ظهرها تماثيل متحف السياسة الغابرة!! بحساب السياسة.. ما الذي سيقدمه نجلا الميرغني والمهدي لهذه البلاد.. وما قيمة وجودهما سوى أنهما من صلب السيدين، الركنين المتبقين من ورثة كهنوت الطائفية البالية؟ باسم البيتين اللذين تحكما في أهل السودان واستغلا البسطاء ومصا دماء الأتباع وأهلكا الحرث والنسل في بلادنا، يقدم السادة الجدد على كل شباب السودان وزهرة العقول المتعلمة، لا لكسب لهما ولا معرفة ولا مساهمة وطنية ولا سياسية ولا فكرية، فقط المعيار الوحيد أنهما من صلب رجلين يدعيان السيادة والشرف والنسب والحسب وهي لن تغني عنهما من الله ولا من الشعب شيئاً!! إذا كان التقدير أن نجلي الميرغني والمهدي، يمثلان الطائفتين وحزبي أبويهما والبيتين الكبيرين، فما أباس هذا التقدير وما أفقره وأخلاه من الفطن والحكمة السياسية والصواب الذي لا يرقى له شك، هو تقدير خاطئ تماماً، لقد أفلت شمس الحزبين الكبيرين والطائفتين، ولم يعد لهما صدى وتأثير، ولا يوجد في الشارع السوداني من يحفل بهما ويوليهما الاعتبار المظنون والمتوقع، فما القيمة والإضافة التي يضيفها سبطا الميرغني والمهدي لسلطة قامت من أجل تهديم الأصنام وإزالة الأزلام والأوثان السياسية التي نصبت في المسرح السياسي، لجعل قابلية الشعب أكبر لتقبل المكاء والتصدية؟! يظن أهل الحكم أن مجرد إلحاق البيتين الطائفيين في السرج وراءهم، سيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً، وسيحل ضياء كثيف مكان قطع الليل البهيم، وهذا ضرب من الكوارث السياسية ترتكب في حق البلاد وفي حق كل الأجيال المتطلعة نحو مستقبل أفضل يحرر الإنسان من تبعية البيوتات والأسياد، ويجعل السياسة مبرأة من الطمع والاستغلال والتكسب باسم القداسة الدينية وتزييف النسب وإلحاقه بالعِتَرة النبوية التي لا تنفع يوم يقوم الناس لرب العالمين. لقد صدمت الإنقاذ شبابها وأهل الوعي فيها وعامة الشعب، بالارتكاس والارتداد التعاكسي عندما أرجعت البلاد من أفق التقدم إلى هاوية الماضي، وقدمت العاجلة على الآجلة ورضيت الدنيَّة في دينها وشعبها وأفكارها، وتحولت لمجرد سلطة يريد القابضون على خطام القرار فيها البقاء بأي ثمن كان وبأية كيفية جاءت، فالشعب وقواه الاجتماعية وتفاعلاته الإيجابية وإطِّراد تزايد الوعي.. كله في كفة.. والبيتان المهدوي والميرغني في كفة أخرى. أما نحن فلن نخون تاريخنا ولا فكرتنا.. لن نكون بين هذه القافلة!!