كان هناك شبه اتفاق على ان من اهم اسباب ازمة الإعلام المعاصر تتمثل في كونه سلطوياً ويعبر عن رأى الحكومات العربية، ينطق بلسانها ويحلل بفكرها وايديولوجياتها. وان هذه الحكومات اصلا اما ان تكون دكتاتورية قمعية أو ان نظامها يكون ملكيا، وبذا لا مجال لصوت آخر غير الصوت الحاكم ولا رأى الا الرأى الصائب الذي تعبر عنه القوى الحاكمة. ومع تسارع التقنيات الحديثة وتطور وسائل الاتصال ادى انتشار الفضائيات الى احداث نقلة كبيرة في توصيف الازمة، فأتت افة اخرى للاعلام العربي المعاصر، وهي تضخيم الوظيفة الترفيهية والترويجية حتى طغت على الارشاد والتوجيه والتثقيف فيها، وذلك مع اشتداد حاجة المجتمعات العربية وهي تخوض معركة التنمية والبناء والتغيير ومواجهة القوى الامبريالية وسياسات العولمة الثقافية والاقتصادية والسياسية، الى توظيف وسائل الاعلام لخدمة اغراض هذه المعركة الحضارية. وفي السودان الذي هو جزء لا يتجزأ من عالمنا العربي الذي يمتد من الخليج الى المحيط، اصبح واقعا علينا التأثير بهذه الموجة الجارفة التي تأخذ عقول شبابنا واطفالنا وتهدد كيانهم وهويتهم وتنقلهم من جذورهم ومن إرثهم الحضاري الاسلامي إلى واقع جديد يستند الى الأخذ بقشور العولمة والتطير بها، حيث لا هوية ولا انتماء ولا تراث ولا موروث. شبابنا ومع الانفتاح الاقتصادي والتنافس الرأسمالي الحاد تضيع عقولهم بين وسائل اعلام حكومية تسلطية واخرى متحررة غاية التحرر. عدا القليل من هذه الوسائل التي تسعى للمحافظة على بناء المجتمع المسلم من خلال مضمون رسائل اعلامية هادفة، ولكنها الآن تائهة وتقف حائرة امام جبال هائلة من الرسائل الاعلامية الهدامة. ولا أحد ينكر دور الإعلام في كل مناحي الحياة، فأى استقرار وأية تنمية وأي تقدم لا بد وان يمر عبر بوابة الاعلام الهادف البناء الذي يلبى حاجات الرأى العام ويرتكز على أسس الحضارة من وجهة النظر المحلية المستندة الى التاريخ والموروث الديني والثقافي والاجتماعي.هلا وضعنا أسساً لقيام نهضة اعلامية بناءة تساعدنا في التعرف على مقومات التقدم والرقى بتقديم موروثاتنا ومعتقداتنا.. هلا قامت حكوماتنا على تشجيع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني عبر سياسات رشيدة حتى يستثمروا أموالهم وأفكارهم في ما هو اجدى وأنفع لهذا الجيل وللأجيال القادمة. يقولون: «امران سيجعلانك أكثر حكمة: الكتب التي تقرأها والاشخاص الذين تلتقى بهم».